قصص النبي نوح عليه السلام

  

قال تعالى في سورة نوح (( إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً  )).

 

(عيون أخبار الرضا) قال ان نوحاً عليه السلام لما ركب السفينة أوحى الله عز وجل إلي يا نوح إن خفت الغرق فهللني ألفاً ثم سلني النجاة أنجيك من الغرق ومن آمن معك , فلما استوى نوح ومن معه في السفينة ورفع القلص عصفت الريح عليهم , فلم يأمن نوح الغرق فأجلته الريح فلم يدرك أن يهلل ألف مرة فقال بالسريانية ( هلو ليا الفا الفا يا ماريا اتقن ) فاستوى القلص وجرت السفينة , فقال نوح: ان كلاماً نجاني الله به من الغرق لحقيق أن لا يفارقني فنقش خاتمه لا إله إلا ألف مرة يا رب أصلحني.

 

(الأمالي) بإسناده إلى الصادق عليه السلام قال: عاش نوح (ع) ألفي وخمسمائة سنة منها ثمانمائة وخمسون سنة قبل أن يبعث وألف سنة إلا خمسين عاماً وهو في قومه يدعوهم , ومائتا سنة في عمل السفينة , وخمسمائة عام بعد ما نزل من السفينة ونضب الماء فمصر الأمضار وأسكن ولده البلدان , ثم أن ملك الموت جاءه وهو في الشمس قال: السلام عليك فرد عليه نوح عليه السلام فقال: ماحاجتك يا ملك الموت ؟ قال: جئت لأقبض روحك قال له تدعني أدخل من الشمس إلى الظل فقال له نعم فتحول نوح ثم قال عليه السلام يا ملك الموت فكأن ما مرَّ بي من الدنيا مثل تحولي من الشمس إلى الظل فامض لما أمرت به , قال فقبض روحه صلى الله عليه وآله.

 

(علل الشرايع) سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عن اسم نوح ما كان ؟ فقال: اسمه السكن وإنما سمي نوحاً لأنه ناح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاما. (وفيه) عن الصادق عليه السلام: كان اسم نوح عبدالغفار وإنما سمي نوحاً لأنه كان ينوح على نفسه.وفيه عنه عليه السلام: كان اسم نوح (ع) عبدالملك وإنما سمي نوحاً لأنه بكى خمسمائة سنة. (وعنه) عليه السلام: اسم نوح عبدالأعلى , قال الصدوق رحمه الله تعالى: الأخبار في اسم نوح عليه السلام كلها متفقة غير مختلفة تثبت له التسمية بالعبودية وهو: عبدالغفار والملك والأعلى.

 

(قصص الأنبياء) عن الصدوق بإسناده إلى وهب قال ان نوح لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله تعالى فلا يزدادون إلا طغياناً ومضى ثلاثة قرون من قومه وكان الرجل منهم يأتي بإبنه وهو صغير فيوقفه على رأس نوح عليه السلام فيقول يا بني إن بقيت بعدي فلا تطيعن هذا المجون. (وفيه) عن علي بن محمد العسكري عليه السلام أنه جاء إبليس إلى نوح فقال ان لك عندي يداً عظيمة فانتصحني فإني لا أخونك فتألم نوح بكلامه ومسألته , فأوحى الله إليه ان كلمه وسلمه فإني سأنطقه بحجة عليك فقال نوح صلوات الله عليه تكلم فقال إبليس إذا وجدنا ابن آدم شحيحاً أو حريصاً أو حسوداً أو جباراً أو عجولاً تلقفناه تلقف الكرة فإن اجتمعت لنا هذه الأخلاق سميناه شيطاناً فقال نوح ما اليد العظيمة التي صفت قال إنّك دعوت الله على أهل الأرض فألحقتهم في ساعة بالنار فصرت فارغاً. ولولا دعوتك لشغلت بهم دهراً طويلا.

 

(اكمال الدين) بإسناده إلى أبي عبدالله عليه السلام قال: عاش نوح عليه السلام بعد النزول من السفينة خمسين سنة , ثم أتاه جبرئيل عليه السلام فقال: يا نوح انه قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فانظر الاسم الأكبر وميراث العلم فادفعها إلى ابنك سام فإني لا أترك الأرض إلا وفيها عالم يعرف به طاعتي ويكون نجاة فيما بين قبض النبي وبعث النبي الآخر فدفع عليه السلام آثار علم النبوة إلى ابنه سام , فأما حام ويافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به , وبشرهم نوح بهودا وظهرت الجبرية في ولد حام ويافث واستخفى ولد سام بما عندهم من العلم وجرت على سام بعد نوح الدولة لحام ويافث , وعنه عليه السلام: كانت أعمار قوم نوح ثلاثمائة سنة وعاش نوح ألفي سنة وأربعامائة وخمسين سنة.

 

قال السيد نعمة الله الجزائري رحمه الله : اختلفوا في مدة عمره عليه السلام فقيل كان ألفا وأربعمائة وخمسين سنة وقيل كان ألفاً وأربعمائة سنة وسعبين سنة , وقيل ألفاً وثلاثمائة سنة , وأكثر أخبارنا المعتبرة تدل على أنه عاش ألفين وخمسمائة سنة وبعضها قابل للتأويل بإسقاط زمن البعثة أو زمان عمل السفينة أو بعدها الطوفان أو زيادتها أو نحو ذلك. (وقال) شيخنا الطبرسي طاب ثراه: في قوله تعالى: ( إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ) معناه أن نوحاً كان عبدالله كثير الشكر وكان إذا لبس ثوباً أو أكل طعاماً أو شرب ماء شكر الله تعالى وقال الحمد لله , وقيل أنه كان يقول في ابتداء الأكل والشرب: بسم الله وفي انتهائه الحمد لله. (وروي) عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام: أن نوحاً كان إذا أصبح وأمسى قال: اللهم اني أشهدك أن ما أصبح أو أمسى بي من نعمة في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك , لك الحمد ولك الشكر بها علي حتى ترضى وبعد الرضا , فهذا كان شكره.

 

(علل الشرايع) وعن الدقاق عن الأسدي عن سهل عن عبدالعظيم الحسني قال سمعت علي بن محمد العسكري عليه السلام يقول: عاش نوح ألفين وخمسمائة سنة وكان يوماً في السفينة نائماً فهبت ريح فكشفت عورته فضحك حام ويافث فزجرهما سام ونهاهم عن الضحك وكان كلما غطى سام شيئاً تكشفه الريح كشفه حام ويافث , فانتبه نوح (ع) فرآهم وهم يضحكون فقال ما هذا فأخبره سام بما كان فرفع نوح يده إلى السماء يدعو ويقول اللهم غير ماء صلب حام حتى لا يولد له إلا السودان اللهم غير ماء صلب يافث , فغير الله ماء صلبهما فجميع السودان حيث كانوا من حام وجميع الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج والصين من يافث حيث كانوا وجميع البيض سواهم من سام , وقال نوح عليه السلام لحام ويافث جعل ذريتكما خولا أي خدماً لذرية سام إلى يوم القيامة لأنه برَّ بي وعققتماني فلا زالت سمة عقوقكما لي في ذريتكما ظاهرة وسمة البر في ذرية سام ظاهرة ما بقيت الدنيا.

 

قال السيد نعمة الله الجزائري رحمه الله : روى الشيخ الطبرسي هذا الخبر من كتاب النبوة بهذا الإسناد ثم قال: قال الشيخ أبوجعفر بن بابويه رحمه الله ذكر يافث في هذا الخبر غريب لم أروه إلا من هذا الطريق وجميع الأخبار التي رويتها في هذا المعنى فيها ذكر حام وأنه ضحك لما انكشفت عورة أبيه وأن ساماً ويافثا كانا في ناحية فبلغهما ما صنع فأقبلا ومعهما ثوب وهما معرضان وألقيا عليه الثوب وهو نائم فلما استقيظ أوحى الله عز وجل إليه ما صنع حام فلعن حام ودعا عليه.

 

(قصص الأنبياء) للراوندي طاب ثراه بإسناده إلى ابن عباس قال: قال إبليس لعنه الله يا نوح لك عندي يد سأعلمك خصالا قال نوح وما يدي عندك ؟ قال دَعْوَتُكَ على قومك حتى أهلكهم الله جميعاً فإياك والكبر وإياك والحرص وإياك والحسد فإن الكبر هو الذي حملني على أن تركت السجود لآدم فأكفرني وجعلني شيطاناً رجيماً وإياك والحرص فإن آدم أبيح له الجنة ونهي عن شجرة واحدة فحمله الحرص على أن أكل منها , وإياك والحسد فإن ابن آدم حسد أخاه فقتله فقال نوح صلوات الله عليه متى تكون أقدر على ابن آدم قال عند الغضب.

 

(الكافي) في الصحيح عن أبي عبدالله صلوات الله عليه قال: لما هبط نوح عليه السلام من السفينة غرس غرساً فكان فيما غرس النخلة ثم رجع إلى أهله فجاء إبليس لعنه الله فقلعها ثم أن نوحاً عليه السلام عاد إلى غرسه فوجده على حاله ووجد النخلة قد قلعت ووجد إبليس عندها فأتاه جبرئيل عليه السلام فأخبره أن إبليس لعنه الله قلعها فقال نوح لإبليس ما دعاك إلى قلعها؟ فوالله ما غرست غرساً أحب إلي منها ووالله لا أدعها حتى أغرسها فقال إبليس وأنا والله لا أدعها حتى أقلعها فقال اجعل لي منها نصيباً قال فجعل له منها الثلث فأبى أن يرضى فجعل له النصف فأبى أن يرضى وأبى نوح أن يزيده. فقال جبرئيل لنوح عليه السلام يا رسول الله أحسن فإن منك الإحسان فعلم نوح أنه قد جعل الله له عليها سلطاناً فجعل نوح له الثلثين.

 

(قال) أبو عبدالله عليه السلم : فإذا أخذت عصيراً فاطبخه حتى يذهب الثلثان من نصيب الشيطان فإذا ذهب فكل واشرب حينئذ.

 

(وفيه) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن أبليس نازع نوحاً عليه السلام في الكرم فأتاه جبرئيل عليه السلم فقال ان له حقاً فاعطه فأعطاه الثلث فلم يرض إبليس ثم أعطاه النصف فلم يرض فطرح جبرئيل ناراً فأحرقت الثلثين وبقى الثلث فقال ما أحرقت النار فهو نصيبه وما بقي فهو لك يا نوح حلال.

  

 

في بعثته إلى قومه وقصة الطوفان

 

إعلم أن الله سبحانه كرر قصة نوح عليه السلام في كثير من سور القرآن. قال الطبرسي طاب ثراه: وهو نوح بن متوشلخ بن اخنوخ وهو إدريس عليه السلام وهو أو نبي بعد إدريس. (وقيل) أنه كان نجاراً وولد في العام الذي مات فيه آدم عليه السلام وبعث وهو ابن أربعمائة سنة وكان يدعو قومه ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعاؤه إلا فراراً وكان يضربه قومه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال اللهم إهد قومي فإنهم لا يعلمون وكانوا يثورون إلى نوح عليه السلام فيضربونه حتى تسيل مسامعه دماً وحتى لا يعقل شيئاً مما صنع به فيحمل فيرمى في بيت أو على باب داره مغشياً عليه فأوحى الله تعالى إليه إن لن يؤمن قومك إلا من آمن فعندها أقبل على الدعاء عليهم فقال ( رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ) فأعقم الله أصلاب الرجال وأرحام النساء فلبثوا أربعين سنة لا يولد لهم وقحطوا في تلك الأربعين سنة حتى هلكت أموالهم وأصابهم الجهد والبلاء ثم قال لهم نوح : ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ) , الآيات فلم يؤمنوا وقالوا (لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) حتى غرقهم الله تعالى وآلهتم التي كانوا يعبدونها فلما كان بعد خروج نوح (ع) من السفينة وعبد الناس الأصنام سموا أصنامهم بأسماء أصنام قوم نوح فاتخذ أهل اليمن يغوث ويعوق وأهل دومة الجندل صنماً سموه وداً واتخذت حمير صنما سمته نسراً وهذيل سماه سواعاً فلم يزل يعبدونها حتى جاء الإسلام.

 

(وروي) أن الله تعالى لم يرحم قوم نوح عليه السلام في عذابهم.

(وروي) عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لما فار التنور وكثر الماء في السكك خشيت أم صبي عليه وكانت تحبه حباً شديداً فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء عرجت به حتى بلغت ثلثيه فما بلغها الماء حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها حتى ذهب بها الماء فلو رحم الله منهم أحداً لرحم أم الصبي. وأما امرأة نوح فقال الله فيها وفي امرأة لوط : ( كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ )

 

(قال ابن عباس) كانت امرأة نوح كافرة تقول للناس أنه مجنون وإذا آمن أحد بنوح أخبرت الجبابرة من قوم نوح به , وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه وكان ذلك خيانتهما لهما وما بغت امرأة نبي قط وإنما كانت خاينتها في الدين. قال (السدي) كانت خيانتهما انهما كانتا كافرتين.

 

(وقيل) كانتا منافقتين , وقال الضحاك خيانتهما النميمة إذ أوحى الله إليهما افشتاه إلى المشركين واسم امرأة نوح واغلة واسم امرأة لوط واهلة وقال مقاتل والفة وواهلة.

 

(وفيه) أيضاً عن أمير المؤمنين عليه السلام , عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: بقى نوح عليه السلام في قومه ثلاثمائة سنة يدعوهم إلى الله فلم يجيبوه فهمّ أن يدعو عليهم عند طلوع الشمس فوافاه اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة سماء الدنيا وهم العظماء من الملائكة قالوا له نسألك أن لا تدعو على قومك فقال نوح قد أجلتهم ثلاثمائة سنة فلما أتى عليهم تسعمائة سنة ولم يؤمنوا , همَّ أن يدعو عليهم فأنزل الله عز وجل (أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) فقال نوح عليه السلام  (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) فأمره الله عز وجل أن يغرس النخل فكان قومه يسخرون به ويقولون شيخ يغرس النخل فلما أتى لذلك خمسون سنة وبلغ النخل أمره الله أن ينحت السفينة وأمر جبرئيل عليه السلام أن يعلمه , فقدر طولها في الأرض ألفاً ومائتي ذراع وعرضها ثمانمائة ذراع وطولها في السماء ثمانون ذراعاً فقال يا رب من يعينني على اتخاذها ؟ فأوحى الله إليه : ناد في قومك من أعانني عليها ونجر منها شيئاً صار ما ينجره ذهباً وفضة فنادى نوح فيهم بذلك فأعانوه عليه وكانوا يسخرون منه ويقولون يتخذ سفينة في البر (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)

 

(وعنه) عليه السلام لما أراد الله عز وجل إهلاك قوم نوح عليه السلام عقم أرحاما النساء أربعين عاماً لم يولد فيهم مولود فلما فرغ من اتخاذ السفينة أمره الله تعالى أن ينادي فيهم بالسريانية لا يبقى بهيمة ولا حيوان إلا حضر فأدخل كل جنس من أجناس الحيوان زوجين السفينة وكان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانون رجلاً فقال الله تعالى (احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) وكان نجر السفينة في مسجد الكوفة فلما كان اليوم الذي أراد الله إهلاكهم كانت امرأة نوح تخبز في الموضع الذي يعرف بفار التنور في مسجد الكوفة وقد كان نوح عليه السلام اتخذ لكل ضرب من أجناس الحيوان موضعاً في السفينة وجمع لهم ما يحتاجون إليه من الغذاء وصاحت امرأته لما فار التنور فجاء نوح إلى التنور فوضع طيناً وختمه حتى أدخل جميع الحيوانات في السفينة ثم جاء إلى التنور وفض الخاتم ورفع الطين وانكسفت الشمس ونزل من السماء ماء منهمر ضباب بلا قطر وتفجرت الأرض عيوناً فقال الله عز وجل اركبوا فيها فدارت السفينة ونظر نوح عليه السلام إلى ابنه يقع ويقوم فقال له (يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ) فقال ابنه (سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ)  فقال نوح (لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ)  فقال يانوح (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) فدارت السفينة وضربتها الأمواج حتى وافت مكة وطافت في البيت وغرق جميع الدنيا إلا موضع البيت وإنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق فبقى الماء ينصب من السماء أربعين صباحاً ومن الأرض العيون حتى ارتفعت السفينة فمست السماء فرفع نوح يده وقال (يا رهمان انفر) وتفسيرها يا رب أحسن فأمر الله الأرض أن تبلع ماءها فأراد ماء السماء أن يدخل في الأرض فامتنعت الأرض من قبوله وقالت إنما أمرني أن أبلع مائي فبقى ماء السماء على وجه الأرض واستوت السفينة على جبل الجوديّ وهو بالموصل جبل عظيم فبعث الله جبرئيل عليه السلام فساق الماء إلى البحار حول الدنيا وأنزل الله على نوح (يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) فنزل نوح عليه السلام بالموصل من السفينة مع الثمانين وبنوا مدينةٌ الثمانين , وكانت لنوح بنت ركبت معه السفينة فتناسل الناس منها وذلك قول النبي صلى الله عليه وآله: نوح أحد الأبوين , انتها ملخصاً.

 

قال السيد نعمة الله الجزائري رحمه الله : قوله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) قيل فيه أقوال:

 

(أحدها) – أنه كان ابنه لصلبه والمعنى انه ليس من أهلك الذين وعدتك نجاتهم معك لأن الله تعالى قد استثنى من أهله الذين وعده أن ينجيهم ممن أراد إهلاكهم بالغرق فقال (إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) عن ابن عباس.

 

(وثانيها) أن المراد بقوله (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ليس على دينك فكأن كفره أخرجه عن أن يكون له أحكام أهله وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وآله سلمان منا أهل البيت وإنما أراد على ديننا. (ويؤيد) هذا التأويل ان الله سبحانه قال على طريق التعليل (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) فبين أنه إنما أخرج عن أحكام أهله لكفره وشر عمله.

 

(وثالثها) انه لم يكن ابنه حقيقة وإنما ولد على فراشه فقال عليه السلام انه ابنه على ظاهر الأمر فأعلمه الله أن الأمر بخلاف الظاهر ونبهه على خيانة امرأته , عن الحسن ومجاهد وهذا الوجه بعيد من حيث ان فيه منافات للقرآن لأنه تعالى قال (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ) ولأن الأنبياء يجب أن ينزهوا عن مثل هذا الحال لأنها تعيير وتشيين وقد نزه الله أنبياءه عما دون ذلك.

 

(ورابعها) انه كان ابن امرأته وكان ربيبه ويعضده قراءة من قرأ بفتح الهاء وحذف الألف وإثباته لفظاً والمعتمد المعول عليه في تأويل الآية القولان الأولان.

 

(وعن) أبي جعفر عليه السلام قال: كان قوم مؤمنون قبل نوح عليه السلام فماتوا فحزن عليهم الناس فجاء إبليس فاتخذ لهم صورهم ليأنسوا بها فأنسوا بها فلما جاء الشتاء أدخلوهم البيوت فمضى ذلك القرن وجاء القرن الآخر فجاءهم إبليس فقال لهم ان هؤلاء آلهة كان آباؤكم يعبدونها فعبدوهم وضل منهم كثير فدعا عليهم نوح فأهلكهم الله.

 

(وعن) أبي عبدالله عليه السلام قال ان نوحاً لما كان أيام الطوفان دعا مياه الأرض فأجابته إلا المر والكبريت (وعنه) عليه اللام لما هبط نوح عليه السلام من السفينة أتاه إبليس فقال له ما في الأرض رجل أعظم منة علي منك, دعوت الله على هؤلاء الفساق فأرحتني مهم ألا أعلمك خصلتين إياك والحسد فهو الذي عمل بي وإياك والحرص فهو الذي عمل بآدم ما عمل. وفي حديث آخر قال له جزاء هذه المنة أذكرني في ثلاث مواطن فإني أقرب ما يكون إلى العبد إذا كان في إحداهن أذكرني إذا غضبت واذكرني إذا حكمت بين اثنين واذكرني إذا كنت مع امرأة خلياً ليس معكما أحد.

 

(عيون أخبار الرضا) عليها لسلام: سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عز وجل (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) من هم ؟ فقال عليه السلام: قابيل يفر من هابيل والذي يفر من أمه موسى والذي يفر من أبيه إبراهيم والذي يفر من صاحبته لوط والذي يفر من ابنه نوح يفر من ابنه كنعان.

 

(علل الشرايع) عن وهب مسنداً قال أهل الكتاب يقولون ان إبليس عمر زمان الغرق كله في الجو الأعلى يطير بين السماء والأرض بالذي أعطاه الله من القوة والحيلة وعمرت جنوده في ذلك الزمان تطفوا فوق السماء وتحولت الجن أرواحاً تهب فوق الماء وبذلك توصف خلقتها انها تهوي هوى الريح , إنما سمي طوفان لأن الماء طفى فوق كل شيء فلما هبط نوح عليه السلام من السفينة أوحى الله عز وجل إليه يا نوح اني خلقت خلقي لعبادتهم وأمرتهم بطاعتي وقد عصوني وعبدوا غيري واستوجبوا بذلك غضبي فغرقتهم واني قد جعلت قوسي أماناً لعبادي وبلادي وموثقاً مني بيني وبين خلقي يأمنون به إلى يوم القيامة من الغرق ومن أوفى بعهده مني , ففرح نوح عليه السلام بذلك وتباشر وكانت القوس فيها سهم ووتر فنزع الله عز وجل السهم والوتر من القوس وجعلها أماناً لعباده من الغرق.

 

قال السيد نعمة الله الجزائري رحمه الله : جاء في الحديث عن الصادق عليه السلام ان هذا القوس ظهر في السماء بعد الغرق أماناً منه لمن بقى إلى يوم القيامة. وقال عليه السلام: لا تقولوا قوس قزح  فإن قزح اسم الشيطان ولكن قولوا قوس الله وان هذه المجرة التي في السماء ويسمونها مجر الكبش موضع انفطار السماء للماء لأنه لم ينزل قطرات وانما نزل دفعاً فلما إلتأمت السماوات بقى أثره كالحجر المندمل يبقى أثره في البدن.

 

(عيون أخبار الرضا) قال الوشا: قال إلي كيف تقرؤن (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) فقلت من الناس من يقرأ (انه عمل غير صالح) نفاه عن أبيه , فقال عليه السلام كلا لقد كان ابنه ولكن لما عصى الله عز وجل نفاه عن أبيه.

 

قال السيد نعمة الله الجزائري رحمه الله : ها هنا قراءتان في المتواتر فالأكثر على الفعل الماضي وما بعده منصوب على المفعولية يعني ان أعماله غير صالحة , وقراءة الكسائي ويعقوب وسهل على المصدرية وما بعده صفة له وأولوه على أنه تولد من الخيانة , وحينئذ فقوله عليه السلام: كلا يجوز أن يكون رداً للتأويل لا للقراءة يعني أن تأويلهم باطل لأن نفيه عنه باعتبار الدين والعمل ويجوز أن يكون نفياً للقراءة يعني انها قراءة باطلة لم ينزل بها جبرئيل عليه السلام.

 

(وفيه) تأييد لما حررناه في مواضع من كتبنا من القدح في تواتر القراءات السبع وأنها إن ثبت تواترها فإنما هو عن القراء السبعة لا عن صاحب الوحي صلى الله عليه وآله وذلك أن القراء في كثير من الموارد إذا ذكروا قراءة يقولون قرأ فلان كذا يجعلون قراءة القرآن تسمية لقراءتهم صلوات الله عليهم وقد فصلنا الكلام في هذا المقام في شرحنا على تهذيب الحديث لما لا مزيد عليه.

 

 

(علل الشرايع) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ان النجف كان جبلاً وهو الذي قال ابن نوح (سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ) ولم يكن على وجه الأرض جبل أعظم منه , فأوحى الله عز وجل إليه: يا جبل أيعتصم بك مني ! فتقطع قطعاً قطعاً إلى بلاد الشام وصار رماداً دقيقاً وصار بعد ذلك بحراً عظيما وكان يسمى ذلك البحر ببحر (ني) ثم جف بعد ذلك وقيل: ني جف فسمي نجف ثم صار بعد ذلك يسمونه نجف لأنه كان أخف على ألسنتهم.

 

(وفيه) أنه لما ركب نوح عليه السلام في السفينة ألقى الله عز وجل السكينة على ما فيها من الدواب والطير والوحش فلم يكن شيء فيها يضر شيئاً كانت الشاة تحتك بالذئب والبقرة تحتك بالأسد وأذهب الله حمة كل ذي حمة فلم يزالوا كذلك في السفينة حتى خرجوا منها وكان الفار قد كثر في السفينة والعذرة , فأوحى الله عز وجل إلى نوح عليه السلام ان يمسح الأسد فمسحه فعطس فخرج من منخريه هران ذكر وأنثى فخف الفار , ومسح وجه الفيل فعطس فخرج من منخريه خنزيران ذكر وأنثى فخف العذرة.

 

وعني أبي عبدالله عليه السلام قال: جاء نوح عليه السلام إلى الحمار ليدخله السفينة فامتنع عليه وكان إبليس بين أرجل الحمار , فقال يا شيطان أدخل فدخل  الحمار ودخل الشيطان.

 

(وعنه) عليه السلام قال: ارتفع الماء زمن نوح عليه السلام على كل جبل وعلى كل سهل خمسة عشر ذراعاً.

 

(الفقيه) قال أبوجعفر الباقر عليه السلام: ان الحيض للنساء نجاسة رماهن الله عز وجل بها وقد كن النساء في زمن نوح عليه السلام انما تحيض المرأة في كل سنة حتى خرجن نسوة من حجابهن وكن سبعمائة امرأة وانطلقن فلبسن المعصفرات من الثياب وتحلين وتعطرن ثم خرجن فتفرقن في البلاد فجلسن مع الرجال وشهدن الأعياد معهم وجلسن في صفوفهم فرماهن الله عز وجل بالحيض عند ذلك في كل شهر يعني أولئك النسوة بأعيانهن فسالت دماؤهن فخرجن من بين الرجال فكن يحض في كل شهر حيضة فشغلهن الله تعالى بالحيض وكسر شهوتهن قال وكان غيرهن من النساء اللواتي لم يفعلن مثل ما فعلن يحضن في كل سنة حيضة , قال: فتزوج بنوا اللائي يحضن في كل شهر بنات اللاتي يحضن في كل سنة حيضة فامتزج القوم فحضن بنات هؤلاء وهؤلاء في كل شهر حيضة وكثر أولاد اللاتي يحضن في شهر حيضة لاستقامة الحيض وقل أولاد اللاتي يحضن في السنة حيضة لفساد الدم , قال فكثر نسل أولئك.

 

(الكافي) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لما أظهر الله نبوة نوح وأيقن الشيعة بالفرج اشتدت البلوى ووثبوا إلى نوح بالضرب المبرح حتى مكث في بعض الأوقات مغشياً عليه ثلاثة أيام يجري الدم من أذنه ثم أفاق وذلك بعد سنة ثلاثمائة من مبعثه وهو في خلال ذلك يدعوهم ليلا ونهاراً فيهربون ويدعوهم سراً فلا يجيبون ويدعوهم علانية فيولون. فهمَّ بعد ثلاثمائة سنة بالدعاء عليهم  وجلس بعد صلاة الفجر للدعاء فهبط إليه وفد من السماء السابعة وهم ثلاثة أملاك فسلموا عليه ثم قالوا له: يا نبي الله حاجتنا أن تؤخر الدعاء على قومك , فإنها أول سطوة لله عز وجل في الأرض , قال: قد أخرت الدعاء عليهم ثلاثمائة سنة أخرى , وعاد إليهم فصنع ما كان يصنع ويفعلون ما كانوا يفعلون حتى إذا انقضت ثلاثمائة سنة أخرى ويئس من إيمانهم جلس في وقت ضحى النهار للدعاء , فهبط إليه وفد من السماء السادسة فسلموا عليه وسألوه مثل ما سأله الوفد الأول فأجابهم مثل ما أجاب أولئك , ثم عاد وقومه بالدعاء حتى انقضت ثلاثمائة سنة تتمة تسعمائة سنة فصارت إليه الشيعة وشكوا ما ينالهم من العامة والطواغيت وسألوه الدعاء بالفرج فأجابهم إلى ذلك وصلى ودعا , فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: ان الله تبارك وتعالى قد أجاب دعوتك فقل للشيعة يأكلوا التمر ويغرسوا النوى ويراعوه حتى يثمر , فإذا أثمر فرجت عنهم , فعرَّفهم ذلك واستبشروا ففعلوا ذلك وراعوه حتى أثمر أتوا به نوحاً فسألوه أن ينجز لهم الوعد , فسأل الله عز وجل عن ذلك , فأوحى الله إليهم: قل لهم: كلوا التمر واغرسوا النوى , فارتد الثلث الآخر , وبقى الثلث. فأكلوا التمر وغرسوا النوى , فلما أثمر أتوا به نوحاً عليه السلام فأخبروه وقالوا: لم يبق منا إلا القليل ونحن نتخوف على أنفسنا بتأخر الفرج أن نهلك , فصلى نوح عليه السلام فقال: يا رب لم يبق من أصحابي إلا هذه العصابة واني أخاف عليهم الهلاك إن تأخر الفرج , فأوحى الله عز وجل إليه: قد أجبت دعوتك فاصنع الفلك فكان بين إجابة الدعاء والطوفان خمسون سنة.

 

(الخرائج) عن النبي صلى الله عليهم وآله أنه قال: لما أراد الله أن يهلك قوم نوح أوحى الله إليه أن شق ألواح الساج فلما شقها لم يدر ما يصنع بها فهبط جبرئيل فأراه هيأة السفينة ومعه تابوت بها مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار فسمَّر المسامير كلها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير فضرب بيده إلى مسمار فأشرق بيده وأضاء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء فتحير نوح فأنطق الله المسمار بلسان طلق ذلق فقال أنا على اسم خير الأنبياء محمد بن عبدالله فهبط جبرئيل عليه السلام فقال له: يا جبرئيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله ؟ فقال: هذا باسم سيد الانبياء محمد بن عبدالله , أسمره على أولها على جانب السفينة الأيمن ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرق وأنار , فقال جبرئيل (ع) : هذا مسمار فاطمة , فأسمره إلى جانب مسمار أبيها , ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر وأنار , فقال جبرئيل (ع) هذا مسمار الحسن فأسمره إلى جانب أبيه , ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس فزهر وأنار وأظهر النداوة , فقال جبرئيل (ع) : هذا مسمار الحسين عليه السلام فأسمره إلى جانب مسمار أبيه , فقال نوح يا جبرئيل ما هذه النداوة ؟ فقال: هذا الدم فذكر قصة الحسين عليه السلام وما تعمل الأمة به , فلعن الله قاتله وظالمه وخاذله.

 

(وعن) أبي عبدالله عليه السلام أنه قال لبعض غلمانه في شيء جرى : لئن انتهيت وإلا ضربتك ضرب الحمار , قيل وما ضرب الحمار ؟ قال ان نوحاً عليه السلام لما أدخل السفينة من كل زوجين اثنين جاء إلى الحمار , فأبى أن يدخل , فأخذ جريدة من نخل فضربه ضربة واحدة وقال له: عبسا شيطانا , أي أدخل يا شيطان.

 

(المحاسن) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لما حسر الماء عن عظام الموتى فرأى ذلك نوح عليه السلام فجزع جزعاً شديداً , فاغتم بذلك , فأوحى الله إليه: ان كل العنب الأسود ليذهب غمك.

 

(العياشي) عن عبدالله العلوي قال: كانت السفينة مطبقة بطبق وكان معه خرزتان تضيء احدهما بالنهاء ضوء الشمس وتضيء احدهما بالليل ضوء القمر وكانوا يعرفون وقت الصلاة وكان آدم معه في السفينة فلما خرج من السفينة صيَّر قبره تحت المنارة بمسجد منى.

 

قال السيد نعمة الله الجزائري : أكثر الأخبار دالة على أن قبره بالنجف الأشرف ضجيع قبر أمير المؤمنين (ع) وقبر نوح عليه السلام.

 

وعن أبي عبدالله عليه السلام: ان مدة لبثهم في السفينة سبعة أيام ولياليها. وفي حديث آخر: مائة وخمسين يوماً بلياليها. وقيل ستة اشهر.

 

(العياشي) عن الأعمش يرفعه إلى علي عليه السلام في قوله: (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ) فقال: أما والله ما هو تنور الخبز , ثم أومأ بيده إلى الشمس فقال طلوعها.

 

(وفي تفسير العياشي) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: صنعها في مائة سنة ثم أمره أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين , الأزواج الثمانية التي خرج بها آدم من الجنة ليكون معيشة لعقب نوح عليه السلام في الأرض كما عاش آدم (ع) فإن الأرض تغرق وما فيها إلا ما كان معه في السفينة قال فحمل نوح (ع) في السفينة الأزواج الثمانية من الضأن اثنين ومن المعز الثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين فكان زوجين من الضأن زوج يربيها الناس ويقومون بأمرها وزوج من الضأن التي تكون في الجبال وهي الوحشية أحل لهم صيدها , ومن العز اثنين زوج يربيها الناس , وزوج من الضباء , ومن البقر اثنين زوج يربيه الناس , وزوج هو البقر الوحشي , ومن الإبل زوجين وهو النجاتي والغراب وكل طير وحشي وأنسي ثم غرقت الأرض.

 

قال السيد نعمة الله الجزائري رحمه الله : المفسرون قالوا المراد بالزوجين الصنفان , يعني الذكر والأنثى وما قاله عليه السلام  هو الأصوب والأنسب. وعنه عليه السلام قال: ينبغي لولد الزنا أن لا تجوز شهادته ولا يؤم بالناس لم يحمله نوح في السفينة وقد حمل فيها الكلب والخنزير. وعنه عليه السلام في قوله : (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) قال آمن معه ثمانية نفر من قومه.

 

(وعنه عليه السلام) بأسانيد متعددة في قول الله (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ) فقال ليس بابنه إنما هو ابن زوجته على لغة طي يقولون لابن المرأة ابنه.

 

(وعن) أبي الحسن عليه السلام : ان الله أوحى إلى الجبال اني واضع سفينة نوح على جبل منكن في الطوفان , فتطاولت وشمخت وتواضع جبل بالموصل يقال له الجوديّ , فمرت السفينة تدور في الطوفان على الجبال كلها حتى انتهت إلى الجودي , فوقفت عليه , فقال نوح بارات قني بارات قني , يعني اللهم أصلح اللهم اصلح , وفي حديث آخر أنه ضرب جؤجؤ السفينة الجبل فخاف عليها , فقال يا ماريا اتقن , يعني رب أصلح , وفي حديث آخر أنه قال: يا رهما اتقن وتأويلها رب أحسن.

 

(وعن) أبي عبدالله عليه السلام قال: سأل نوح ربه أن ينزل على قومه العذاب , فأوحى الله إليه أن يغرس نواة من النخل فإذا بلغت وأثمرت هلك قومه , فغرس نوح النواة وأخبر أصحابه بذلك , فلما أثمرت وأطعم أصحابه , قالوا له يا نبي الله الوعد الذي وعدتنا , فأوحى الله إليه أن يعيد الغرس ثانية , حتى إذا بلغ النخل وأثمر فأكل منه نزل عليهم العذاب , فأخبر نوح أصحابه بذلك , فصاروا ثلاثة فرق , فرقة ارتدت وفرقة نافقت وفرقة ثبتت مع نوح عليه السلام , ففعل نوح عليه السلام ذلك حتى إذا بلغت النخلة وأثمرت وأكل منها وأطعم أصحابه ق