قال تعالى
في سورة الأعراف (( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ
أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِينَ
* إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً
مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم
مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ
الغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً
فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِينَ )).
وقال تعالى
في سورة العنكبوت (( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ
وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ
جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ
الصَّادِقِينَ )).
هو ابن هاران
بن تارخ بن أخي إبراهيم الخليل عليه السلام. وقيل انه كان ابن خالة إبراهيم عليه
السلام , وكانت سارة زوجة إبراهيم عليه السلام أخت لوط.
والفاحشة
اتيان الرجال في أدبارهم . قال الحسن: وكانوا يفعلون ذلك. وقوله تعالى: (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ) أي سبيل الولد باختياركم
الرجال وتقطعون الناس عن الأسفار بإتيان هذه الفاشحة , فإنهم كانوا يفعلونه
بالمجتازين في ديارهم وكانوا يرمون ابن اسبيل بالحجارة بالخزف فإن أصابه كان أولى
به ويأخذون ماله فينكحونه ويغرمونه ثلاثة دراهم , وكان لهم قاض يفتي بذلك. وقوله
تعالى : ( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ
) قيل: كانوا يتضارطون في مجالسهم من غير حشمة ولا حياء. وروي ذلك عن الرضا
عليه السلام.
وقيل: انهم
كانوا يأتون الرجال في مجالسهم يرى بعضهم بعضاً , فأنزل الله عليهم الرجز – أي
العذاب – وهي الحجارة التي أمطرت عليهم. وقيل: هو الماء الأسود على وجه الأرض.
قال السيد
نعمة الله الجزائري رحمه الله : خروج الماء
الأسود على وجه الأرض من علامات الغضب , وفي هذه الأعصار خرج الماء الأسود من بلاد
((قم)) وبه خربت محال كثيرة وهو إلى وقت رقم هذه
الكلمات على حاله واقفاً بين محالها يخرج من المنازل فيخربها وكل محلة خربت منازلها
وقع بأهلها الموت حتى أنه لم يبق منهم إلا القليل , وقد حفروا لها أنهاراً من تحت
الأرض وهو يجري منه الماء إلى خارج البلد.
ورأيت
حديثاً عن الصادق عليه السلام : من علامات الفرج
لأهل قم أن يجري الماء على وجه الأرض. يعني أن يكون الفرج ويخرج القائم عليه
السلام. وقد خرج من غيرها أيضاً مثل شيراز وجرفايقان وخرب المنازل ووقع الموت
بأهلها , لكنه سكن وفرغ منه.
(علل الشرايع) بإسناده إلى أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر
عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتعوذ من البخل ؟ قال نعم في كل صباح
ومساء , ونحن نتعوذ بالله من البخل , إنه يقول : ( وَمَن
يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) وسأخبرك عن عاقبة
البخل : ان قوم لوط كانوا أهل قرية أشحاء على الطعام , فأعقبهم البخل داءاً لا دواء
له في فروجهم. فقلت وما أعقبهم ؟ فقال ان قرية قوم لوط كانت على طريق السيارة تنزل
بهم فيضيفونهم , فلما أكثر ذلك عليهم ضاقوا بذلك ذرعاً بخلا ولؤماً , فدعاهم البخل
إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضيف فضحوه من غير شهوة بهم , وانما كانوا يفعلون ذلك
بالضيف حتى ينكل النازل عنهم , فشاع أمرهم في القرى , فأورثهم البخل بلاءاً لا
يستطيعون دفعه عن أنفسهم من غير شهوة إلى ذلك حتى صاروا يطلبونه من الرجال في
البلاد ويعطونهم عليه الجمل. فقلت له جعلت فداك فهل كان أهل قرية لوط كلهم يفعلون ؟
فقال نعم إلا أهل بيت منهم من المسلمين , أما تسمع لقوله تعالى : ( فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *
فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ
الْمُسْلِمِينَ ) وان لوطاً لبث في قومه ثلاثين سنة يدعوهم إلى الله عز وجل
وكانوا لا يتنظفون من الغائط ولا يتطهرون من الجنابة.
وكان لوط
رجلاً سخياً كريماً يقري الضيف إذا نزل به ويحذرهم قومه , فلما رأى قومه ذلك قالوا
إننا ننهاك عن العالمين ( قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ
عَنِ الْعَالَمِينَ ) إن فعلت فضحناك في ضيفك , فكان لوط إذا نزل به الضيف
كتم أمره مخافة أن يفضحه قومه لأنه لم يكن للوط عشيرة ولم يزل لوط وإبراهيم عليهما
السلام يتوقعان نزول العذاب على قومه , وان الله كان إذا أراد عذاب قوم لوط أدركته
مودة إبراهيم وخلته ومحبة لوط , فيؤخر عذابهم , فلما اشتد عليهم غضب الله وأراد
عذابهم وقضى أن يعوض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم فيسلي به مصابه بهلاك قوم
لوط , فبعث الله رسلا إلى إبراهيم يبشرونه بإسماعيل فدخلوا عليه ليلاً , ففزع وخاف
أن يكونوا سراً. فلما رأته الرسل مذعوراً قالوا سلاماً (إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا
مِنكُمْ وَجِلُونَ * قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ
إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) وهو إسماعيل.
قال فما
خطبكم بعد البشارة ؟ ( قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا
الْمُرْسَلُونَ ) قالوا إنا أرسلنا إلى قوم لوط لننذرهم عذاب رب العالمين ,
فقال إبراهيم إن فيها لوطاً ( قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا
قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا
امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) الحديث.
(وروي) عن الأصبغ قال سمعت علياً عليه السلام يقول: ستة
في هذه الأمة من أخلاق قوم لوط – الجلاهق – وهو البندق – والجذف ومضغ العلك وإرخاء
الإزار في الخلاء وحل الأزار من القباء والقميص.
(وفيه) عن
الباقر عليه السلام في حديث طويل يقول: انه لما انتصف الليل سار لوط ببناته وتولت
امرأته مدبرة فانقطعت إلى قومها تسعى بلوط وتخبرهم ان لوطاً قد سار ببناته , قال
جبرئيل عليه السلام واني نوديت من تلقاء العرش لما طلع الفجر يا جبرئيل حق القول من
الله بحتم عذاب قوم لوط , فاقلعها من تحت سبع أرضين ثم عرج بها إلى السماء فأوقفها
حتى يأتيك أمر الجبار في قلبها وجع منها آية من منزل لوط عبرة للسيارة فهبطت على
أهل القرية فضرب بجناحي الأيمن على ماحوى عليه شرقيها وضرب بجناحي الأيسر على ماحوى
عليه غربيها فاقتلعتهامن تحت سبع أرضين إلا منزل آل لوط , ثم عرجت بها في خوافي
جناحي حتى أوقفتها حيث يسمع أهل السماء صياح ديوكها ونباح كلابها , فلما طلعت الشمس
نوجيت من تلقاء العرش يا جبرئيل إقلب القرية على القوم فقلبتها عليهم حتى صار
أسفلها أعلاها وأمطر الله عليهم حجارة من سجيل ( فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ
حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ), وكان موضع قريتهم بنواحي الشام ,وقلبت بلادهم ,
فوقعت فيها بين بحر الشام إلى مصر فصارت تلولا في البحر.
(علي بن إبراهيم) في كلام طويل: ان إبراهيم عليه السلام
لما رمي بنار نمرود , وجعلت عليه برداً وسلاماً خرج من بلاد نمرود إلى البادية فنزل
على ممر الطريق إلى اليمن والشام , فكان يمر به الناس فيدعوهم إلى الإسلام , وقد
كان خبره في الدنيا ان الملك ألقاه في النار ولم يحترق , وكان إبراهيم كل من مرَّ
به يضيفه وكان على سبعة فراسخ منه بلاد عامرة كثيرة الشجر , وكان الطريق عليها وكان
كل من مرَّ بتلك البلاد تناول من تمورهم وزروعهم فجزعوا من ذلك وجاءهم إبليس في
صورة شيخ فقال لهم هل أدلكم على ما إن فعلتموه لم يمر بكم أحد ؟ فقالوا ما هو ؟ قال
من مرَّ بكم فانكحوه في دبره واسلبوا ثيابه , ثم تصور لهم إبليس في صورة أمرد حسن
الوجه فجاءهم فوثبوا عليه ففجروا به كما أمرهم فاستطابوه وكانوا يفعلونه بالرجال
فاستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء , فشكى الناس في ذلك إلى إبراهيم عليه
السلام فبعث إليهم لوطاً يحذرهم وقال لهم لوط : أنا ابن خالة إبراهيم الذي جعل الله
عليه النار برداً وسلاماً , وهو بالقرب منكم فاتقوا الله ولا تفعلوا , فإن الله
يهلككم وكان لوط كلما مر به رجل يريدونه بسوء خلصه من أيديهم وتزوج لوط فيهم وولد
بنات , فلما طال ذلك على لوط ولم يقبلوا منه قالوا لئن لم تنته لنرجمنك بالحجارة
فدعا عليهم لوط. فبينما إبراهيم عليه السلام قاعد في الموضع الذي كان فيه وقد كان
أضاف قوماً وخرجوا , فنظر إلى أربعة نفر وقد وقفوا عليه لا يشبهون الناس , فقالوا
سلاماً. فقال إبراهيم سلام , فجاء
إبراهيم عليه السلام إلى سارة فقال لها: قد جاءتني أضياف لا يشبهون الناس , فقالت
ما عندنا إلا هذا العجل. فذبحه وشواه وحمله إليهم وذلك قوله تعالى ( وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ
سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ ) فما لبث أن جاء بعجل حنيذ مشوي فلما رأى أيديهم لا
تصل إليه ولا يأكلون منه , خاف منهم ( فَلَمَّا رَأَى
أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ
لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ) , فقالت لهم سارة : ما
لكم تمتنعون من طعام خليل الله ؟ فقالوا : لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط , ففزعت
سارة وضحكت – أي حاضت – وقد وكان ارتفع حيضها , ( وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا
بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ ) فبشروها بإسحاق ومن ورائه
يعقوب. فوضعت يدها على وجهها فقالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً (
قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ
وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) . فقال لها جبرئيل
عليه السلام أتعجبين من أمر الله ؟ ( قَالُواْ
أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ
الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيد ) فلما ذهب عن إبراهيم الروع أقبل يجادل
الملائكة في قوم لوط ( فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ
) فقال إبراهيم لجبرئيل عليه السلام : بماذا أرسلت ؟ قال: بهلاك قوم لوط ,
قال إن فيها لوطاً قال جبرئيل عليه السلام : ( نَحْنُ
أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ
مِنَ الْغَابِرِينَ ) قال إبراهيم : يا جبرئيل إن كان في المدينة مائة رجل
من المؤمنين تهلكهم ؟ قال: لا , قال: فإن كان فيهم خمسون ؟ قال: لا , قال فإن كان
فيهم عشرة ؟ قال: لا , قال وإن كان فيهم واحد ؟ قال: لا , وهو قوله ( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ
الْمُسْلِمِينَ ) فقال إبراهيم يا جبرئيل راجع ربك فيهم فأوحى الله إلى
إبراهيم : يا إبراهيم أعرض عن هذا انه قد جاء أمر ربك وانهم آتيهم عذاب غير مردود ,
فخرجوا من عند إبراهيم , فوقفوا على لوط وهو يسقي زرعه , فقال لهم لوط: من أنتم ؟
قالوا : نحن أبناء السبيل أضفنا الليلة. فقال لهم: يا قوم إن أهل هذه القرية قوم
سوء لعنهم الله وأهلكهم , ينكحون الرجال ويأخذون الأموال , فقالوا: قد أبطأنا
فأضفنا , فجاء لوط إلى أهله وكانت منهم , فقال لها: أنه قد أتانا أضياف في هذه
الليلة فاكتمي عليهم حتى أعفو عنك جميع ما كان إلى هذا الوقت ؟ فقالت أفعل. وكانت
العلامة بينها وبين قومها إذا كان عند لوط أضياف بالنهار تدخن فوق السطح وإذا كان
بالليل توقد النار , فلما دخل جبرئيل والملائكة معه بيت لوط عليه السلام أوقدت
امرأته ناراً فوق السطح , فعلم أهل القرية وأقبلوا إليه من كل ناحية يهرعون , فلما
صاروا إلى باب البيت قالوا يا لوط أو لم ننهك عن العالمين ؟ فقال لهم : هؤلاء بناتي
هن أطهر لكم , قال يعني به – أزواجهم – وذلك أن النبي هو أبو أمته , فدعاهم إلى
الحلال , ولم يكن يدعوهم إلى الحرام , فقال: أزواجكم هن أطهر لكم , قالوا لقد علمت
مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد ؟ فقال لوط لما أيس : لو أن لي بكم قوة أو
آوي إلى ركن شديد , وما بعث الله نبياً بعد لوط إلا في عز من قومه , وقوله عليه
السلام : القوة القائم والركن الشديد ثلاثمائة
وثلاثة عشر يعني الذي يخرجون مع القائم عليه السلام.
(قال علي بن إبراهيم) فقال جبرئيل للملائكة لو علم ما
له من القوة فقال لوط : من أنتم فقال له جبرئيل عليه السلام : أنا جبرئيل. فقال
لوط: بماذا أمرت ؟ قال: بهلاكهم , قال الساعة ؟ فقال جبرئيل : ( إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ
) قال: فكسروا الباب ودخلوا البيت , فضرب جبرئيل بجناحه على وجوههم فطمسها ,
وهو قول الله عز وجل ( وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ
فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ) فلما رأوا ذلك
علموا أنه قد جاءهم العذاب , فقال جبرئيل للوط: فأسر بأهلك بقطع من الليل وأخرج من
بينهم أنت وولدك ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فإنه مصيبها ما أصابهم ( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ
أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ
) , وكان في قوم لوط رجل عالم فقال لهم: يا قوم لقد جاءكم العذاب الذي كان
يعدكم لوط , فاحرسوه ولا تدعوه يخرج من بينكم فإنه ما دام فيكم لا يأتيكم العذاب ,
فاجتمعوا حول داره يحرسونه , فقال جبرئيل : يا لوط أخرج من بينهم , فقال كيف أخرج
وقد اجتمعوا حول داري ؟ فوضع بين يديه عموداً من نور , فقال له: اتبع هذا العمود ,
فخرجوا من القرية من تحت الأرض , فالتفت امرأته , فأرسل الله عليها صخرة فقتلتها.
فلما طلع الفجر صارت الملائكة الأربعة كل واحد في طرف من قريتهم فقلعوها من سبع
أرضين إلى تخوم الأرض , ثم رفعوها في السماء , حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب
وصياح الديكة ثم قلبوها عليهم , وأمطر الله عليهم حجارة من سجيل.
(وعن أبي عبدالله (ع) ) : ما من عبد يخرج من الدنيا يستحل
عمل قوم لوط إلا رماه الله بحجر من تلك الحجارة ليكون فيه منيته ولكن الخلق لا
يرونه.
(قال الطبرسي رحمه الله ) اختلف في ذلك – يعني عرض البنات –
فقيل : أراد بناته لصلبه.
عن قتادة وبه رواية. وقيل أراد النساء من أمته لأنهن
كالبنات له. واختلف أيضاً في كيفية
عرضهن ؟ فقيل بالتزويج , وكان يجوز في شرعه تمويج بنته المؤمنة من الكافر.
وكذا كان
يجوز أيضاً في مبتدأ الإسلام , وقد زوج النبي صلى الله عليه وآله من أبي العاص بن
الربيع , قبل أن يسلم. ثم نسخ ذلك. وقيل: أراد التزويج بشرط الإيمان , وكانوا
يخطبون بناته فلا يزوجهن منهم لكفرهم. وقيل: انه كان لهم سيدان مطاعان , فأراد أن
يزوجهما بنته ذعوراً وريثاً.
(علل الشرايع) عن الصادق عليه السلام قال: في المنكوح
من الرجال هم بقية سدوم , أما اني لست أعني بقيتهم انه ولدهم , ولكن من طينتهم.
(قلت) سدوم الذي قلبت عليهم ؟ قال هي أربعة
مدائن سدوم وصديم ولدنا وعميراء.
(وقال المسعودي) أرسل الله لوطاً إلى المدائن الخمسة
وهي سدوم وعموراً ودوماً وصاعوراً وصابوراً.
(وعنه عليه السلام) وقد سئل وكيف كان يعلم قوم لوط أنه
قد جاء لوطاً رجل ؟ قال كانت امرأته تخرج فتصفر فإذا سمعوا الصفير جاءوا , فلذلك
كره التصفير. (وعنه عليه السلام) أنه لما جاء
الملائكة إلى لوط وهو لم يعرفهم وأخذهم إلى منزله التفت إليهم فقال انكم تأتون شرار
خلق الله , وكان جبرئيل عليه السلام قال الله له: لا يعذبهم حتى يشهد عليهم ثلاث
شهادات , فقال هذه واحدة , ثم مشى ساعة فقال انكم تأتون شرار خلق الله. فقال جبرئيل
عليه السلام هذه ثنتان , فلما بلغ باب المدينة , التفت إليهم وقال انكم تأتون شرار
خلق الله , فقال جبرئيل هذه ثلاث , ثم دخلوا منزله , الحديث.
(ثواب الأعمال) مسنداً إلى أبي جعفر عليه السلام قال:
كان قوم لوط أفضل قوم خلقهم الله عز وجل فطلبهم إبليس لعنه الله طلباً شديداً ,
وكان من فضلهم وخيرهم أنهم إذا خرجوا إلى العمل خرجوا بأجمعهم وتبقى النساء خلفهم ,
فحسدهم إبليس على عبادتهم , وكانوا إذا رجعوا خرَّب إبليس ما يعملون , فقال بعضهم
لبعض تعالوا نرصد هذا الذي يخرب متاعنا , فرصدوه فإذا هو غلام كأحسن ما يكون من
الغملان , فقالوا أنت الذي تخرب متاعنا ؟ فقال نعم مرة بعد مرة , واجتمع رأيهم على
أن يقتلوه فبيتوه عند رجل , فلما كان الليل صاح. فقال ما لك ؟ فقال كان أبي ينومني
على بطنه. فقال نعم فنم على بطني , فلم يزل بذلك الرجل حتى علمه أن يعمل بنفسه ,
فأولا علمه إبليس والثانية علمه هو , يعني لغيره. ثم انسل ففرَّ منهم فأصبحوا فجعل
الرجل يخبر بما فعل بالغلام ويعجبهم منه شيء لا يعرفونه , فوضعوا أيديهم فيه حتى
اكتفى الرجال بعضهم ببعض. ثم جعلوا يرصدون مار الطريق فيفعلون بهم حتى ترك مدينتهم
الناس , ثم تركوا نساءهم , فأقبلوا على الغلمان , فلما رأى إبليس لعنه الله أنه قد
أحكم أمره في الرجال دار إلى النساء , فصيَّر نفسه امرأة , ثم قال إن رجالكم يفعلون
بعضهم ببعض قلن نعم قد رأينا ذلك , وعلى ذلك يعظهم لوط. وما زال يوصيهن حتى اسكتفت
الناسء بالنساء فلما كملت عليهم الحجة , بعث الله عز وجل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل
في زي غلمان عليهم أقبية , فمروا بلوط وهو يحرث فقال أين تريدون ؟ فما رأيت أجمل
منكم قط , قالوا أرسلنا سيدنا إلى رب هذه المدينة قال ولم يبلغ سيدكم ما يفعل أهل
هذه القرية ؟ يا بني إنهم والله يأخذون الرجال فيفعلون بهم حتى يخرج الدم , فقالوا
له أمرنا سيدنا أن نمر في وسطها , قال فلي إليكم حاجة ؟ قالوا وما هي ؟ قال تصبرون
هاهنا إلى اختلاط الظلام , فجلسوا فبعث ابنته فقال : هاتي لهم خبزاً وماءاً وعباءة
يتغطون بها من البرد. فلما أن ذهبت إلى البيت أقبل المطر وامتلأ الوادي , فقال لوط
الساعة تذهب بالصبيان الوادي , قال قوموا حتى نمضي , فجعل لوط يمشي في أصل الحائط
وجعل الملائكة يمشون وسط الطريق , فقال يا بني هاهنا قالوا أمرنا سيدنا أن نمر
وسطها. وكان لوط عليه السلام يستغل الظلام ومرَّ إبليس لعنه الله فأخذ من حجر
امرأته صبياً , فطرحه في البئر , فتصايح أهل المدينة على باب لوط عليه السلام ,
فلما نظروا إلى الغلمان في منزل لوط عليه السلام قالوا يا لوط قد دخلت في عملنا ؟
قال هؤلاء ضيفي فلا تفضحون ( قَالَ إِنَّ هَؤُلاء
ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ ) , قالوا هم ثلاثة خذ واحداً واعطنا اثنين , قال
وأدخلهم الحجرة وقال لوط عليه السلام لو أن لي أهل بيت يمنعونني منكم , وقد تدافعوا
بالباب فكسروا باب لوط وطرحوا لوطاً فقال جبرئيل عليه السلام إنا رسل ربك لن يصلوا
إليك( قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن
يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ
مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ) ,
فأخذ كفاً من بطحاء الرمل فضرب بها وجوههم وقال شاهت الوجوه. فعمي أهل المدينة كلهم
, فقال لوط يا رسل ربي بماذا أمركم فيهم ؟ قالوا أمرنا أن نأخذهم بالسحر , قال
تأخذونهم الساعة ؟ قالوا يا لوط إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ؟ فخذ أنت بناتك
وامض.
(وقال) أبوجعفر عليه السلام : رحم الله لوطاً لو يدري
من معه في الحجرة لعلم أنه منصور حين يقول لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ,
أي ركن أشد من جبرئيل معه في الحجرة.
وقال الله
عز وجل لمحمد صلى الله عليه وآله : ( وَمَا هِيَ مِنَ
الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) أي من ظالمي أمتك إن عملوا عمل قوم لوط.
(ثواب الأعمال) بإسناده إلى الصادق عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما عمل قوم لوط ما عملوا , بكت الأرض إلى ربها
حتى بلغت دموعها السماء , وبكت السماء حتى بلغت دموعها العرش , فأوحى الله عز وجل
إلى السماء : إحصبيهم – أي ارميهم بالحصباء – وهي الحجارة , وأوحى الله إلى الأرض :
أن اخسفي بهم.
(العياشي) عن زيد بن ثابت قال: سأل رجل أمير المؤمنين
عليه السلام أتؤتى النساء في أدبارهن ؟ فقال: سفلت سفل الله بك , أما سمعت الله
يقول : ( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا
مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ ) .