قصص النبي شعيب عليه السلام

  

 قال تعالى في سورة الأعراف : (( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ   )) الآيات.

 

قال أمين الإسلام الطبرسي في قوله تعالى : ( وَإِلَى مَدْيَنَ ) أي أهل مدين أو هو اسم القبيلة. قيل إن مدين ابن إبراهيم الخليل , فنسب القبيلة إليه.

 

قال عطاء : هو شعيب بن نوبة بن مدين بن إبراهيم , وكان خطيب الأنبياء لحسن مراجعة قومه وهم أصحاب الأيكة. وقال قتادة : أرسل شعيب مرتين إلى أهل مدين مرة , وإلى أصحاب الأيكة مرة ( فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ ) أي أدوا حقوق الناس على التمام في المعاملات ( وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ) أي لا تنقصوهم حقوقهم. ( وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) أي لا تعملوا في الأرض بالمعاصي واستحلال المحرمات , بعد أن أصحلها الله بالأمر والنهي وبعثة الأنبياء. ( وَلاَ تَقْعُدُواْ ) فإنهم كانوا يقعدون على طريق من قصد شعيباً للإيمان به , فيخوفونه بالقتل , أو انهم كانوا يقطعون الطريق فنهاهم عنه. ( وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ) بأن تقولوا هو باطل. ( فَكَثَّرَكُمْ ) أي كثر عددكم. قال ابن عباس : وذلك أن مدين ابن إبراهيم تزوج بنت لوط , فولدت , حتى كثر أولادها.

 

(علل الشرايع) بإسناده إلى أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : بكى شعيب من حب الله عز وجل حتى عمي , فرد الله عز وجل عليه بصره. فلما كانت الرابعة أوحى الله إليه: يا شعيب إلى متى تكون هذا أبداً منك , إن يكن هذا خوفاً من النار فقد أجرتك وإن يكن شوقاً إلى الجنة فقد أبحتك , فقال: إلهي وسيدي أنت تعلم أني ما بكيت خوفاً من نارك ولا شوقاً إلى جنتك , ولكن عقد حبك في قلبي فلست أصبر أو أراك فأوحى الله جل جلاله إليه: أما إذا كان هكذا فمن أجل هذا , سأخدمك كليمي موسى بن عمران.

 

قال الصدوق رحمه الله: يعني بذلك : لا أزال أبكي أو أراك قد قبلتني حبيباً. وقال شيخنا المحدث أبقاه الله تعالى: كلمة أو بمعنى إلى أن , أو إلا أن , أي إلى أن يحصل لي غاية العرفان والإيقان المعبر عنها بالرؤية وهي رؤية القلب لا البصر. والحاصل طلب كمال المعرفة بحسب الاستعداد والقابلية والوسع والطاقة انتهى. والأظهر أن يقال المراد بقوله: أو أراك. إلى أن أراك بعد الموت , يعني أني أبكي على حبك ولا أفتر عن البكاء حتى ألقاك , كمن غاب عن حبيبه فهو يبكي على حبيبه لأجل فراقه إلى أن يلقاه.

 

فهذه معان ثلاثة والحديث حمال أوجه , وما قاله نبي الله شعيب (ع) , هو الذي قاله أمير المؤمنين عليه السلام : ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك.

 

وعني علي بن الحسين عليه السلام قال: أول من عمل المكيال والميزان شعيب النبي عليه السلام عمله بيده , فكانوا يكيلون ويوفون , ثم انهم بعد أن طففوا في المكيال والميزان وبخسوا في الميزان فأخذتهم الرجفة , فعذبوا بها ( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ).

 

قال الطبرسي في قوله تعالى : ( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ) أي الزلزلة.

 

وقيل : أرسل الله عليهم حراً شديداً فأخذ بأنفاسهم , فدخلوا أجواف البيوت , فدخل عليهم البيوت فلم ينفعهم ظل ولا ماء وأنضحهم البحر, فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة , فوجدوا برد الريح وطيبها وظل السحابة فنادوا عليكم بها فخرجوا إلى البرية فلما اجتمعوا تحت السحابة , ألهبها الله عليهم ناراً ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد وصاروا رماداً , وهو عذاب يوم الظلة. عن ابن عباس وغيره من المفسرين.

 

وقيل : بعث الله عليهم صيحة واحدة فماتوا بها. عن أبي عبدالله.

وقيل: أنه كان لشعيب قومان , قوم أهلكوا بالرجفة وقوم هم أصحاب الظلة.

 

(قصص الأنبياء) للراوندي من علمائنا , رواه بإسناده إلى سهل بن سعيد , قال: بعثني هشام بن عبدالملك استخرج له بئراً في رصافة عبدالملك فحفرنا منها مائتي قامة , ثم بدت لنا جمجمة رجل طويل , فحفرنا ما حولها , فإذا رجل قائم على صخرة عليه ثياب بيض وإذا كفه اليمنى على رأسه على موضع ضربة برأسه , فكنا إذا نحينا يده عن رأسه سالت الدماء وإذا تركناها عادت فسدّت الجرح , وإذا في ثوبه مكتوب: أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله شعيب النبي عليه السلام إلى قومه , فضربوني وطرحوني في هذا الجب وهالوا عليّ التراب. فكتبنا إلى هشام ما رأيناه , فكتب أعيدوا عليه التراب كما كان واحتفروا في مكان آخر.

 

( كنز الفوائد) للكراجكي: عن عبدالرحمان بن زياد الأفريقي قال: خرجت بافريقية مع عم لي إلى مزدرع لنا فحفرنا موضعاً فأصبنا تراباً هشاً فحفرنا عامة يومنا حتى انتهينا إلى بيت كهيئة الأذج , فإذا فيه شيخ مسجى وإذا عند رأسه كتابة فقرأتها فإذا هي: أنا حسان بن سنان الأوزاعي رسول شعيب النبي عليه السلام إلى أهل هذه البلاد , دعوتهم إلى الإيمان بالله فكذبوني وحبسوني في هذا الحفر إلى أن يبعثني الله وأخاصمهم يوم القيامة.

 

وذكروا أن سليمان بن عبدالملك مرّ بوادي القرا , فأمر ببئر يحفر فيه ففعلوا فانتهى إلى صخرة , فاستخرجت فإذا تحتها رجل عليه قميصان واضع يده على رأسه , فخذبت يده , فشج مكانها بدم , ثم تركت فرجعت إلى مكانها فرقا الدم فإذا معه كتاب فيه: أنا الحارث بن شعيب الغساني رسول شعيب إلى أهل مدين فكذبوني وقتلوني.

 

وقال وهب : بعث الله شعيباً إلى أهل مدين , ولم يكونوا قبيلة شعيب التي كان منها ولكنهم كانوا أمة من الأمم بعث إليهم شعيب , وكان عليهم ملك جبار ولا يطيقه أحد من ملوك عصره , وكانوا ينقصون المكيال والميزان ويبخسون الناس أشياءهم مع كفرهم بالله وتكذيبهم لنبيه , وكانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم أو وزنوا لها , وكانوا في سعة من العيش , فأمرهم الملك باحتكار الطعام ونقص المكاييل والموازين , ووعظهم شعيب , فأرسل إليه الملك , ما تقول ما صنعنا , أراضٍ أنت أم ساخط ؟ فقال شعيب: أوحى الله تعالى إليّ : ان الملك إذا صنع مثل ما صنعت , يقال له: ملك فاجر , فكذبه الملك وأخرجه وقومه من المدينة.

 

قال الله تعالى حكاية عنهم : ( قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ) فزادهم شعيب في الوعظ فقالوا : ( يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ) فآذوه بالنفي من بلادهم , فسلط الله عليهم الحر والغيم , حتى أنضجهم الله , فلبثوا فيه تسعة أيام وصار ماؤهم حميماً لا يستطيعون شربه  فانطلقوا  إلى غيضة لهم , وهو  قوله  تعالى : ( وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ ) فرفع الله لهم سحابة سوداء , فاجتمعوا في ظلها , فأرسل الله عليهم ناراً منها فأحرقتهم فلم ينج أحد منهم , وذلك قوله تعالى ( فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ). فلما أصاب قومه ما أصابهم , لحق شعيب والذين آمنوا معه بمكة , فلم يزالوا بها حتى ماتوا.

 

والرواية الصحيحة : أن شعيباً عليه السلام صار منها إلى مدين , فأقام بها , وبها لقيه موسى بن عمران صلوات الله عليهما.

 

وعن علي عليه السلام قال: قيل له : يا أمير المؤمنين حدثنا قال: ان شعيب النبي عليه السلام دعا قومه إلى الله حتى كبر سنه ودق عظمه , ثم غاب عنهم ما شاء الله , ثم عاد إليهم شاباً , فدعاهم إلى الله عز وجل , فقالوا ما صدقناك شيخاً فكيف نصدقك شاباً ؟.

 

وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: لم يبعث الله عز وجل من العرب إلا خمسة أنبياء : هوداً وصالحاً وإسماعيل وشعيباً ومحمد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وعليهم , وكان شعيب بكاءاً.

 

(الكافي) عن أبي جعفر عليه السلام قال: أوحى الله إلى شعيب : إني معذب من قومك مائة ألف , أربعين ألف من شرارهم وستين ألف من خيارهم , فقال عليه السلام : يا رب هؤلاء الأشرار , فما بال الأخيار ؟ فأوحى الله عز وجل إليه: داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي.

 

وعن ابن عباس رضي الله عنه : عاش شعيب صلوات الله عليه : مائتين واثنين وأربعين سنة.

وقال مجاهد : عذاب يوم الظلة هو: إظلال العذاب لقوم شعيب.

وقال بريد بن اسلم في قوله تعالى : ( يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ) قال: مما كان نهاهم عنه قطع الدراهم , انتهى.