مرور سليمان (ع) بوادي النمل

  

 

قال تعالى في سورة النمل :  (( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ * ))

 

وادي النمل : هو واد بالطائف.

وقيل : بالشام , وتلك النملة كانت رئيسة النمل.

وقولها :  ( لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ ) يدل على أن سليمان وجنوده كانوا ركباناً ومشاة على الأرض ولم تحملهم الريح ولأن الريح , لو حملتهم بين السماء والأرض لما خافت النملة أن يطأها بأرجلهم.

 

 

( عيون الأخبار وعلل الشرايع ) بإسناده إلى داود بن سليمان الغازي قال: سمعت علي بن موسى الرضا يقول عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عليهم السلام في قوله تعالى : ( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا – لما قالت النملة - : يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ...) الآية . حملت الريح صوت النملة إلى سليمان وهو مار في الهواء والريح قد حملته , فوقف وقال: علي بالنملة.

 

فلما أتي بها و قال سليمان : يا أيتها النملة أما علمت أني نبي ؟ وأني لا أظلم أحداً ؟ قالت النملة : بلى , قال سليمان (ع) : فلم حذرتهم ظلمي ؟ قالت: خشيت أن ينظروا إلى زينتك فيفتتنوا بها فيبعدوا عن ذكر الله تعالى ذكره.

 

ثم قالت النملة : أنت أكبر أم أبوك داود ؟ قال سليمان : بلى أبي داود , قالت النملة : فلم زيد في حروف اسمك حرف على حروف اسم أبيك داود ؟ قال: ما لي بهذا علم. قالت النملة لأن أباك داود داوى جرحه بود. فسمي داود وأنت يا بن داود أرجو أن تلحق بأبيك. ثم قالت النملة: هل تدري لم سخرت لك الريح من بين سائر المملكة ؟ قال سليمان ما لي بهذا علم , قالت النملة يعني (ع) بذلك لو سخرت لك هذه الريح لكان زوالها من يدك كزوال الريح. فحينئذ ( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا ).

 

وفي ( تفسير الثعلبي ) قالت النملة هل علمت لم سمي أبوك داود ؟ فقال: لا , فقالت لأنه داوى جرحه بود , هل تدري لم سميت سليمان ؟ قال: لا , قالت لأنك سليم وكنت إلى ما أوتيت لسلامة صدرك , وأن لك أن تلحق بأبيك.

 

وروى الطبرسي في ( مشارق الأنوار ) : أن سليمان عليه السلام كان سماطه كل يوم سبعة أكرار , فخرجت دابة من دواب البحر يوماً وقالت: يا سليمان أضفني اليوم فأمر أن يجمع لها مقدار سماطه شهراً , فاجتمع على ساحل البحر كالجبل العظيم , أخرجت الحوت رأسها وابتلعته , وقالت: يا سليمان أين تمام قوتي اليوم ؟ هذا بعض قوتي , فتعجب سليمان وقال لها: هل في البحر دابة مثلك ؟ فقالت : ألف أمة فقال سليمان : سبحان الله الملك العظيم.

 

وروى غيره : أن سليمان عليه السلام رأى عصفوراً  يقول لعصفورته : لم تمنعين نفسك مني؟ ولو شئت أخذت قبة سليمان بمنقاري فألقيها في البحر ! فتبسم سليمان عليه السلام من كلامه. ثم دعاهما وقال للعصفور : أتطيق أن تفعل ذلك ؟ فقال لا يا رسول الله ولكن المرء قد يزين نفسه ويعظمها عند زوجته والمحب لا يلام على ما يقول , فقال للعصفورة لم تمنعيه من نفسك وهو يحبك ؟ فقالت يا نبي الله أنه ليس محباً ولكنه مدع , يحب معي غيري. فأثر كلام العصفورة في قلب سليمان وبكى بكاءاً شديداً واحتجب عن الناس أربعين يوماً يدعو الله أن يفرغ قلبه لمحبة الله وأن لا يخالطها بمحبة غيره.

 

وروي : أنه عليه السلام سمع يوماً عصفوراً يقول لزوجته ادني مني أجامعك لعل الله يرزقنا ولداً ذكراً يذكر الله تعالى فإنا كبرنا. فتعجب سليمان من كلامه وقال: هذه النية خير من ملكي. ومر سليمان عليه السلام على بلبل يتصوت ويترقص , فقال: يقول إذا أكلت نصف التمرة فعلى الدنيا العفى.

 

وقال الثعلبي في تفسيره : قال مقاتل كان سليمان عليه السلام جالساً , إذ مر به طائر يطوف فقال: هذا الطائر يقول السلام عليك أيها الملك المتسلط على بني إسرائيل أعطاك الله سبحانه وتعالى الكرامة وأظهرك على عدوك , إني منطلق إلى فروخي , ثم أمر بك الثانية , وأنه سيرجع إلينا. فنظر القوم طويلاً , فمر بهم , فقال السلام عليك أيها الملك إن شئت أن تأذن لي كيما أكسب على فروخي حتى يشبوا ثم آتيك فافعل بي ما شئت فأذن له.

 

وقال : صاح ورشان عند سليمان عليه السلام , فقال أتدرون ما يقول ؟ قالوا لا , قال إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا.

وصاح طاووس فقال: إنه يقول كما تدين تدان.

وصاح هدهد فقال: إنه يقول من لا يرحم لا يرحم.

وصاح صرد عنده فقال: إنه يقول أستغفروا الله يا مذنبين.

وصاح طوطي فقال: إنه يقول كل حي ميت وكل جديد بال.

وصاح خطاف فقال: قدموا خيراً تجدوه.

وهدرت حمامة فقال: تقول سبحان ربي الأعلى ملأ سماواته وأرضه.

وصاح قمري فقال: تقول سبحان ربي الأعلى.

قال: والغراب يدعو على العشارين.

والحدءة تقول: كل شيء هالك إلا وجهه.

والقطا تقول: من سكت سلم.

والببغاء وهو طائر يقول: لمن الدنيا همه.

والضفدع يقول: سبحان ربي القدوس.

والباز يقول: سبحان ربي وبحمده.

والضفدعة تقول: سبحان المذكور بكل مكان.

وصاح دراج فقال: إنها تقول: الرحمن على العرش استوى.

 

 

( دعوات الراوندي ) ذكروا أن سليمان كان جالساً على شاطيء بحر , فبصر بنملة تحمل حبة قمح تذهب بها نحو البحر , فجعل سليمان ينظر إليها حتى بلغت الماء فإذا بضفدعة قد أخرجت رأسها من الماء ففتحت فاها , فدخلت النملة وغاصت الضفدعة في البحر ساعة طويلة وسليمان يتفكر في ذلك متعجباً. ثم أنها خرجت من الماء وفتحت فاها  فخرجت النملة ولم يكن معها الحبة. فدعاها سليمان عليه السلام وسألها وشأنها وأين كانت ؟ فقالت : يا نبي الله إن في قعر البحر الذي تراه صخرة مجوفة وفي جوفها دودة عمياء وقد خلقها الله تعالى هنالك , فلا تقدر أن تخرج منها لطلب معاشها , وقد وكلني الله برزقها فأنا أحمل رزقها وسخر الله تعالى هذه الضفدعة لتحملني فلا يضرني الماء في فيها , وتضع فاها على ثقب الصخرة وأدخلها , ثم إذا أوصلت رزقها إليها وخرجت من ثقب الصخرة إلى فيها فتخرجني من البحر. فقال سليمان عليه السلام : وهل سمعت لها من تسبيحة ؟ قالت نعم , تقول : يا من لا ينساني في جوف هذه اللجة برزقك , لا تنس عبادك المؤمنين برحمتك.

 

 

 

حكاية الخيل

 

 

قال الله سبحانه وتعالى : (( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ * وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ )).

 

( تفسير ) علي بن إبراهيم : وذلك أن سليمان عليه السلام كان يحب الخيل ويستعرضها فعرضت عليه يوماً إلى أن غابت الشمس وفاته صلاة العصر , فاغتم من ذلك ودعا الله أن يرد عليه الشمس حتى يصلي العصر, فردهاعليه إلى وقت العصر فصلاها , وأقبل يضرب أعناق الخيل ويسوقها بالسيف حتى قتلها كلها. وهو قوله عز اسمه : ( رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ * وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) وذلك أن سليمان عليه السلام لما تزوج بالبائنة ولد له منها ابن , وكان يحبه فنزل ملك الموت على سليمان , وكان كثيراً ما ينزل عليه , فنظر إلى ابنه نظراً حديداً , ففزع سليمان من ذلك وقال لأمه : إنَّ ملك الموت نظر إلى ابني نظرة أظنه أمر بقبض روحه.

 

فقال للجن والشياطين : هل لكم أن تفروه من الموت ؟ فقال واحد أنا أضعه تحت عين الشمس في المشرق ! فقال واحد منهم أنا أضعه في الأرضين السابعة ! فقال إن ملك الموت يبلغ , فقال آخر أنا أضعه في السحاب والهواء , فرفعه ووضعه في السحاب. فجاء ملك الموت فقبض روحه في السحاب , فوقع ميتاً على كرسي سليمان , فعلم أنه قد أخطأ.

 

فحكى الله ذلك في قوله : ( وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ...) الآيات. وقال الصادق عليه السلام: جعل الله عز وجل ملك سليمان في خاتمه فكان إذا لبسه حضرته الجن والإنس والشياطين وجميع الطير والوحوش , فأطاعوه , فيقعد على كرسيه , ويبعث الله عز وجل ريحاً تحمل الكرسي بجميع ما عليه من الشياطين والطير والدواب والإنس والجن , فتمر بها في الهواء إلى موضع يريده سليمان , وكان يصلي الغداة بالشام والظهر بفارس , وكان يأمر الشياطين أن يحملوا الحجارة من فارس ويبنوها بالشام.

 

فلما قتل الخيل سلبه الله ملكه , وكان إذا دخل الخلاء دفع خاتمه إلى بعض من يخدمه. فجاء شيطان فخدع خادمه وأخذ منه الخاتم ولبسه , فحشرت عليه الشياطين والجن والإنس والطير والوحوش , وخرج سليمان في طلب الخاتم فلم يجده , فهرب ومر على ساحل البحر.

 

وأنكرت بنوا إسرائيل الشياطين الذين تصوروا في صورة سليمان , وصاروا إلى أمه , فقالوا لها أتنكرين من سليمان شيئاً ؟ فقالت: كان أبر الناس بي وهو اليوم يعصيني , وصاروا إلى جواريه ونسائه وقالوا أتنكرون من سليمان شيئاً ؟ قلن : لم يكن يأتينا في الحيض وهو يأتينا في الحيض. فلما خاف الشيطان أن يفطنوا به ألقى الخاتم في البحر , فبعث الله سمكة فالتقمته وهرب الشيطان. فبقى بنو إسرائيل يطلبون سليمان أربعين يوماً. وكان سليمان يمر على ساحل البحر تائباً إلى الله مما كان منه. فلما كان بعد أربعين يوماً مر بصياد يصيد السمكة , فقال له: أعينك على أن تعطيني من السمك شيئاً ؟ قال نعم , فأعانه سليمان.

 

فلما اصطاد دفع إلى سليمان سمكة فأخذها وشق بطنها , فوجد الخاتم في بطنها فلبسه , وخرت عليه الشياطين والجن والإنس ورجع إلى مكانه , وطلب ذلك الشيطان وجنوده فقيدهم وحبس بعضهم في جوف الماء وبعضهم في جوف الصخر فهم محبوسون معذبون إلى يوم القيامة.

 

فلما رجع سليمان إلى ملكه قال لآصف , وكان آصف كاتب سليمان وهو الذي كان عنده علم من الكتاب : قد عذرت الناس بجهالتهم , فكيف أعذرك ؟ قال: لا تعذرني فلقد عرفت الشيطان الذي أخذ خاتمك وأباه وأمه وخاله , ولقد قال لي أكتب لي , فقلت له : إن العلم لا يجري بالجور , فقال أجلس ولا تكتب , فكنت أجلس ولا أكتب شيئاً ولكن أخبرني عنك صرت تحب الهدهد وهو أخس الطير منتناً وأخبثه ريحاً , قال إنه يبصر الماء وراء الصفاء الأصم , فقال وكيف يبصر الماء من وراء الصفاء الأصم ؟ وإنما يوارى عنه القمح بكف من التراب يأخذ رقبته , فقال سليمان : قف يا وقاف فإنه إذا جاء القدر حال دون البصر.

 

يقول السيد نعمة الله الجزائري ( رحمه الله ) في كتابه قصص الأنبياء : هذه الرواية موفقة للعامة , فهي محمولة على التقية.

والصحيح الوارد في الأخبار عن الصادق (ع) : انها لما عرضت على سليمان عليه السلام الخيل وفاته وقت الصلاة ردت عليه الشمس وشرع يتوضأ ويمسح بساقه وعنقه – يعني يتوضأ للصلاة هو من معه – وإلا فالخيل لا ذنب لها , حتى يمسح سوقها وأعناقها بالسيف.

 

 

 

 

قصته مع بلقيس والهدهد  (ع).

 

 

 

( تفسير علي بن إبراهيم ) : كان سليمان عليه السلام إذا قعد على كرسيه جاءت جميع الطير , فتظل الكرسي بجميع من عليه من الشمس من موضعه في حجر سليمان , فرفع رأسه وقال (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ....) الآيات. فلم يكث إلا قليلاً إذ جاء الهدهد , فقال له سليمان : ( أين كنت قال: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ) وحكى له قصة سبأ , فقال له سليمان: خذ الكتاب إليها. فجاء به ووضعه في حجرها , فارتاعت من ذلك , وجمعت جموعها وقالت لهم ( إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ – أي مختوم -  إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ ) الآيات.

 

وذكر الكتاب إلى قولها إن كان نبياً من عند الله كما يدعي , فلا طاقة لنا به , ولكن سأبعث إليه بهدية  ( وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ) , فإن كان ملكاً يميل إلى الدنيا فيقبلها ! وعلمنا أنه لا يقدر علينا. فبعثت إليه حقة فيها جوهرة عظيمة , وقالت للرسول: قل له تثقب هذه الجوهرة بلا حديد ولا نار.

 

فأتاه الرسول بذلك , فأمر سليمان عليه بعض جنوده , فأخذ خيطاً في فمه ثم ثقبها وأخرج الخيط من الجانب الآخر , وقال سليمان (ع) لرسولها:  ( فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ  * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ) فرجع إليها الرسول فأخبرها بقوة سليمان , فعلمت أنه لا محيص لها , فارتحلت وخرجت نحو سليمان.

 

فلما أخبره الله : بإقبالها نحوه , قال للجن والشياطين : ( يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ) قال سليمان عليه السلام أريد أسرع فقال آصف : ( أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) فدعا الله بالاسم الأعظم. فخرج السري من تحت كرسي سليمان , فقال سليمان : ( نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا – أي غيروه -  نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ).

 

فلما جاءت قيل: أهكذا عرشك ؟ قالت كأنه هو , وكان سليمان قد أمر أن يتخذ لها بيت من قوارير , ووضعه على الماء , ثم قيل لها : أدخلي الصرح فظنت أنه ماء , فرفعت ثوبها وأبدت ساقيها , فإذا عليها شعر كثير , فقيل لها إنه صرح ممرد من قوارير ( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) فتزوجها سليمان (ع) وقال للشياطني اتخذوا لها شيئاً يذهب عنها هذا الشعر فعملوا الحمامات وطبخوا النورة.

 

وفي ( الكافي ) عن أبي الحسن الأول عليه السلام : أن الله ما بعث نبياً إلا ومحمد صلى الله عليه وآله أعلم منه. ثم قال: أن سليمان بن داود (ع) قال للهدهد حين فقده : ( مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ) ؟ فغضب لفقده , لأنه كان يدله على الماء , فهذا وهو طائر أعطي ما لم يعط سليمان فلم يكن سليمان عليه السلام يعرف الماء تحت الهواء – أي الأرض – وكان الطير يعرفه , وأن الله يقول في كتابه : ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْر) وقد ورثنا نحن هذا القرآن  الذي ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان ويحيي به الموتى, ونحن نعرف الماء تحت الهواء – يعني الأرض -.

 

وعن أبي جعفر عليه السلام : إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً , وإنما كان عند آصف منها حرف واحد , فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس , حتى تناول السرير بيده , ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين , ونحن عندنا من الإسم الأعظم إثنان وسبعون حرفاً , وحرف عند الله تبارك وتعالى استأثر به في علم الغيب , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

وفيه عن أبي عبدالله عليه السلام : من أراد الإطلاء بالنورة فأخذ من النورة بإصبعه فسمه وجعله على طرف أنفه وقال: صلى الله على سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة , لم تحرقه النورة.

 

وروى العياشي بالإسناد قال: قال أبوحنيفة لأبي عبدالله (ع) : كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير ؟ قال: لأن الهدهد يرى الماء في بطن الأرض كما يرى أحدكم الدهن في القارورة.

 

فنظر أبوحنيفة إلى أصحابه وضحك ! فقال أبو عبدالله عليه السلام ما يضحكك ؟ قال ظفرت بك جعلت فداك , قال وكيف ذلك ؟ قال الذي يرى الماء في بطن الأرض لا يرى الفخ في التراب حتى يأخذ بعنقه , فقال أبو عبدالله عليه السلام : يا نعمان أما علمت أنه إذا نزل القدر أعشي البصر , وفي قوله : ( لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا )  أي أنتف ريشه وألقيه في الشمس.

 

 

وفي ( تفسير العسكري عليه السلام ) أن سليمان لما سار من مكة ونزل باليمن قال الهدهد: إن سليمان (ع) قد اشتغل بالنزول , فارتفع نحو السماء فانظر إلى طول الدنيا وعرضها ففعل ذلك ونظر يميناً وشمالاً , فرأى بستاناً لبلقيس فمال إلى الخضرة فوقع فيه , فإذا هو بهدهد فهبط عليه , وكان اسم هدهد سليمان (ع) يعفور واسم هدهد اليمن عنقير , فقال عنقير ليعفور من أين أقبلت ؟ وأين تريد ؟ قال أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود عليه السلام وقال ومن سليمان بن داود ؟ قال ملك الجن والإنس والطير والوحوش والشياطين والرياح , فمن أين أنت ؟ قال أنا من هذه البلاد قال ومن ملكها ؟ قال امرأة يقال لها بلقيس وان لصاحبكم سليمان ملكاً عظيماً , وليس ملك بلقيس دونه , فإنها ملكة اليمن , وتحت يدها اثني عشر الف قائد ! فهل أنت منطلق معي ؟ حتى تنظر إلى ملكها ؟ قال أخاف أن يتفقدني سليمان (ع) في وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء , قال الهدهد اليماني إن صاحبك ليسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة.

 

فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها , وما رجع إلى سليمان إلا وقت العصر. فلما طلبه سليمان فلم يجده دعا عريف الطيور . وهو النسر فسأله عنه فقال ما أدري أين هو , وما أرسلته مكاناً , ثم دعا بالعقاب فقال علي بالهدهد فارتفع فإذا هو بالهدهد مقبلا , فانقض نحوه فناشده الهدهد : بحق الله الذي قوّاك وغلبك علي , إلا ما رحمتني ولم تعرض لي بسوء فولى عنه العقاب وقال له ويلك ثكلتك أمك , إن نبي الله حلف أن يعذبك أو يذبحك. ثم طارا متوجهين إلى سليمان عليه السلام.

 

فلما انتهى إلى المعسكر تلقته النسر والطير , فقالوا : توعدك نبي الله , فقال الهدهد : أو ما استثنى نبي الله ؟ فقالوا بلى ( أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ )  فلما أتيا سليمان وهو قاعد على كرسيه , قال العقاب قد أتيتك به يا نبي الله فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعاً لسليمان عليه السلام , فأخذ برأسه فمده إليه , فقال أين كنت ؟ فقال يا نبي الله أذكر وقوفك بين يدي الله تعالى فارتعد سليمان (ع) وعفى عنه.

 

 

 

قصة نفش الغنم

 

 

 ( التهذيب ) عن أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قوله الله عز وجل ( وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ) فقال: لا يكون النفش إلا بالليل , إن على صاحب الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار , وليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار , إنما رعيها وإرزاقها بالنهار , فما أفسدت فليس عليها , وعلى صاحب الماشية حفظ الماشية بالليل عن حرث النهار فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا. وأن داود عليه السلام حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم , وحكم سليمان اللبن والصوف في ذلك العام.

 

وفيه عنه عليه السلام قال له أبو بصير : قول الله عز وجل ( وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ) قلت حين حكما في الحرث كانت قضية واحدة فقال: أنه كان أوحى الله عز وجل إلى النبيين قبل داود (ع) , إلى أن بعث داود (ع) أي غنم فنفشت في الحرث فلصاحب الحرث رقاب الغنم , ولا يكون النفش إلا بالليل , وأن على صاحب الزرع أن يحفظ بالنهار , وعلى صاحب الغنم حفظ الغنم بالليل. فحكم داود عليه السلام بما حكمت به الأنبياء عليهم السلام من قبله.

 

وأوحى الله تعالى إلى سليمان : أي غنم نفشت في الزرع فليس لصاحب الزرع إلا ما خرج في بطونها , وكذلك جرت السنة بعد سليمان عليه السلام , وهو قول الله عز وجل ( وَكُلاً آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ) فحكم كل واحد منهما بحكم الله عز وجل.

 

( تفسير علي بن إبراهيم ) عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان في بني  إسرائيل رجل كان له كرم ونفشت فيه غنم لرجل بالليل وقضمته وأفسدته فجاء صاحب الكرم إلى داود (ع) فاستدعى على صاحب الغنم فقال داود (ع) إذهب إلى سليمان (ع) ليحكم بينكما. فقال سليمان (ع) : إن كانت الغنم أكلت الأصل والفرع فعلى صاحب الغنم أن يدفع إلى صاحب الكرم الغنم وما في بطنها , وإن كانت ذهبت بالفرع ولم تذهب بالأصل فإنه يدفع ولدها إلى صاحب الكرم.

وكان هذا حكم داود , وإنما أراد أن تعرف بني إسرائيل أن سليمان (ع) وصيه بعده ولم يختلفا في الحكم , ولو اختلف حكمهما لقال ( وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ).

 

في ( الكافي ) عن معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الإمامة عهد من الله عز وجل معهود لرجال مسمين , ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون من بعده أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه السلام : أن اتخذ وصياً من أهلك فإنه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبياً إلى وله وصي من أهله. وكان لداود (ع) عدة أولاد فيهم غلام كانت أمه ضد داود عليه السلام وكان لها محباً , فدخل داود عليه السلام عليها حين أتاه الوحي , فقال لها: إن الله عز وجل أوحى إليّ : أن اتخذ وصياً من أهلي فقالت له امرأته : فليكن ابني قال ذاك اريد. وكان السابق في علم الله المحتوم : أنه سليمان (ع).

 

فأوحى الله تعالى إلى داود (ع) : أن لا تعجل , دون أن يأتيك أمري. فلم يلبث أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم فأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: أن اجمع ولدك فمن قضى بهذه القضية فأصاب , فهو وصيك من بعدك. فجمع داود (ع) ولده , فلما أن قص الخصمان قال سليمان (ع) : يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك ؟ قال دخلته ليلاً , قال: قد قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك. ثم قال له داود (ع) : فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوّم ذلك علماء بني إسرائيل ؟ فكان ثمن الكرم قيمة الغنم , فقال سليمان : إن الكرم لم يحنث من اصله وإنما أكل حمله وهو عائداً في قابل. فأوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام : ان القضاء في هذه القضية ما قضى سليمان به , يا داود أردت أمراً وأردنا غيره. فدخل داود (ع) على امرأته فقال لها أردنا أمراً وأراد الله غيره , ولم يكن إلا ما أراد الله عز وجل , وسلمنا.

 

 

وفاة النبي سليمان (ع)

 

 

 ( علل الشرايع وعيون الأخبار ) مسنداً إلى الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (ع) قال سليمان بن داود (ع) ذات يوم لأصحابه : إن الله تبارك وتعالى قد وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي  , سخر لي الريح والجن والإنس والطير والوحوش وعلمني منطق الطير وآتاني من كل شيء , ومع جميع ما أوتيت من الملك ما تم لي سرور يوم إلى الليل , وقد أحببت أن أدخل قصري في غد فأصعد أعلاه وأنظر إلى ممالكي , فلا تأذنوا لأحد علي لئلا ينغص عليَّ يومي ! قالوا نعم.

 

فلما كان من الغد , أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع من قصره وقف متكئاً على عصاه ينظر إلى ممالكه مسروراً بما أوتي فرحاً بما أعطي. إذ نظر إلى شاب حسن الوجه واللباس خرج عليه من زوايا قصره , فلما أبصر به سليمان عليه السلام قال له: من أدخلك هذا القصر ؟ وقد أردت أن أخلو فيه اليوم , فبإذن من دخلت ؟ فقال الشاب : أدخلني هذا القصر ربه وبإذنه دخلت فقال: ربه أحق به مني , فمن أنت ؟ قال : أنا ملك الموت , قال وفيم جئت ؟ قال: جئت لأقبض روحك , فقال: إمض لما أمرت به , فهذا يوم سروري , وأبى الله عز وجل أن يكون لي سرور دون لقائه. فقبض ملك الموت روحه وهومتكيء على عصاه. فبقي سليمان عليه السلام متكئاً على عصاه وهو ميت ما شاء الله , والناس ينظرون إليه وهم يقدرون أنه حي , فافتنوا فيه واختلفوا.

 

فمنهم من قال: إن سليمان (ع) قد بقي متكئاً على عصاه , هذه المدة الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ولم يأكل ولم يشرب , إنه لربنا الذي يجب أن نعبده ! وقال قوم : إن سليمان (ع) ساحر وانه يرينا أنه واقف متكيء على عصاه يسحر أعيننا ! وليس كذلك.

 

وقال المؤمنون : إن سليمان (ع) هو عبدالله ونبيه , يدبر الله أمره بما شاء . فلما اختلفوا بعث الله عز وجل الأرضة في عصاه , فلما أكلت جوفها انكسرت العصا وخر سليمان (ع) من قصره على وجهه , فشكرت الجن للأرضة صنيعها , لأجل ذلك لا توجد الأرضة مكان إلا وعندها ماء وطين. وذلك قول الله عز وجل ( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ – يعني عصاه -  فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ )

 

( علل الشرايع ) بإسناده إلى أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: أمر سليمان بن داود الجن  , فصنعوا له قبة من قوارير فبينما هو متكيء على عصاه في القبة ينظر إلى الجن كيف يعملون وهو ينظر , إذ جاءت منه إلتفاته , فإذا رجل معه في القبة , قال: من أنت ؟ قال: الذي لا أقبل الرشا ولا أهاب الملوك أنا ملك الموت. فقبضه وهو قائم متكيء على عصاه في القبة والجن ينظرون إليه , فمكثوا سنة يدأبون حوله حتى بعث الله الأرضة... الحديث.