قال تعالى
في سورة الصافات : (( وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ
المُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ
تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ
أَحْسَنَ الخَالِقِينَ * اللَّهَ رَبَّكُمْ
وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ * فَكَذَّبُوهُ
فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلاَّ عِبَادَ
اللَّهِ المُخْلَصِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ
فِي الآخِرِينَ )).
( الكافي ) عن المفضل بن عمر قال: أتينا باب أبي عبدالله
عليه السلام ونحن نريد الأذن , فسمعناه يتكلم بكلام ليس بالعربية , فتوهمنا أنه
بالسريانية , ثم بكى , فبكينا لبكائه , ثم خرج إلينا الغلام , فأذن لنا فدخلنا
عليه.
فقلت : أصلحك
الله سمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية ثم بكيت فبكينا , فقال: نعم ذكرت إلياس النبي
صلوات الله عليه , وكان من عباد بني إسرائيل , فقلت كما كان يقول في سجوده , ثم
اندفع فيه بالسريانية , فما رأينا والله قسيساً ولا جاثليقاً أفصح لهجة منه , ثم
فسره لنا بالعربية فقال: كان يقول في سجوده : أتراك معذبي بنارك وقد أظمأت لك
هواجري ؟ أتراك معذبي وقد عفرت لك في التراب وجهي ؟ أتراك معذبي وقد اجتنبت لك
المعاصي ؟ أتراك معذبي وقد أسهرت لك ليلي ؟ فأوحى الله إليه : أن ارفع رأسك فإني
غير معذبك.
قال: فقال : إن
قلت لا أعذبك , ثم عذبتني ماذا ألست عبدك وأنت ربي ؟ فأوحى الله إليه : أن ارفع
رأسك فإني غير معذبك , فإني إذا وعدت وعداً وفيت به.
(قصص الأنبياء) عن ابن عباس قال: إن يوشع بن نون بوأ
بني إسرائيل الشام بعد موسى عليه السلام وقسمها بينهم , فسار منهم سبط ببعلبك
بأرضها وهو السبط الذي منه إلياس النبي عليه السلام. فبعثه الله إليهم و وعليهم
يومئذ فتنهم بعبادة صنم يقال له بعل , وذلك قوله : (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ
الخَالِقِينَ) ؟ ! فكذبوه.
وكان للملك
زوجة فاجرة يستخلفها إذا غاب فتقضي بين الناس وكان لها كاتب حكيم قد خلّص من يدها
ثلاثمائة مؤمن , كانت تريد قتلهم , ولم يعلم على وجه الأرض أنثى أزنى منها , وقد
تزوجت سبعة ملوك من بني إسرائيل حتى ولدت تسعين ولداً سوى ولد ولدها. وكان لزوجها
جار صالح من بني إسرائيل وكان له بستان يعيش به إلى جانب قصر الملك يكرمه.
فسافر مرة ,
فاغتنمت امرأته فقتلت العبد الصالح وأخذت بستانه غصباً من أهله , وكان ذلك سبب سخط
الله عليهم. فلما قدم زوجها أخبرته الخبر ! فقال لها ما أصبت , فبعث الله إلياس
النبي يدعوهم إلى عبادة الله فكذبوه وطردوه ! ودعاهم إلى الله فلم يزدهم إلا
طغياناً. فآلى الله على نفسه أن يهلك الملك والزانية إن لم يتوبوا إليه , وأخبرهما
بذلك فاشتد غيضهم عليه وهموا لتعذيبه ! فهرب منهم ولحق بالجبل , فبقى سبع سنين يأكل
من نبات الأرض.
فأمرض الله
ابناً للملك وكان أعز ولده ,
فاستشفعوا إلى عبدة الأصنام ليشفعوا له ! فلم ينفع , فبعثوا الناس إلى الجبل الذي
فيه إلياس , فكانوا يقولون اهبط إلينا واشفع لنا. فنزل إلياس من الجبل وقال: إن
الله أرسلني إليكم وإلى من ورائكم فاسمعوا رسالة ربكم يقول: إرجعوا إلى الملك
فقولوا اني أنا الله لا إ له إلا أنا إله بني إسرائيل أضرهم وأنفعهم وتطلب الشفاء
لابنك من غيري.
فلما صاروا
إلى الملك وقصوا عليه القصة امتلأ غيظاً ! فقال لهم ما الذي منعكم أن تقتلوه فإنه
عدوي ؟ قالوا قذف في قلوبنا الرعب. فندب خمسين من قومه وأوصاهم بالإحتيال له
وإطماعه في أنهم آمنوا به ليغتر بهم فيمكنهم من نفسه. فانطلقوا إلى الجبل الذي فيه
إلياس , فنادوا يا نبي الله ابرز لنا فإنا آمنا بك فطمع في إيمانهم , فقال : اللهم
إن كانوا صادقين فيما يقولون فأذن لي بالنزول إليهم وإن كانوا كاذبين فارمهم بنار
تحرقهم , فما استتم كلامه حتى رموا بالنار فاحترقوا , فبلغ الملك خبرهم , فاشتد
غيظه.
وانتدب كاتب
امرأته المؤمن وبعث معه جماعة إلى جبل , وقال له قد آن أن تتوب , فقل له يرجع إلينا
ويأمرنا وينهانا بما يرضي ربنا , وأمر قومه فاعتزلوا الأصنام , فانطلق الكاتب ومن
معه إلى الجبل , ثم ناداه فعرف الناس صوته , فأوحى الله إليه : أن ابرز إلى أخيك
الصالح وصافحه , فقال المؤمن بعثني إليك هذا الطاغي وقص عليه ما قالوا , ثم قال:
واني لخائف إن رجعت إليه ولست معي أن يقتلني , فأوحى الله عز وجل إلى إلياس : ان كل
شيء جاءك منهم خداع ليظفروا بك , واني أشغله عن هذا المؤمن بأن أميت ابنه.
فلما قدموا
عليه أخذ الموت ابنه , ورجع إلياس سالماً إلى مكانه. فلما ذهب الجزع عن الملك , سأل
الكاتب عن الذي جاء به فقال ليس لي علم به. ثم ان إلياس نزل واستخفى عند أم يونس بن
متى ستة أشهر , ويونس مولود , ثم عاد إلى مكانه , فلم يلبث إلا يسيراً حتى مات
ابنها حين فطمته , فعظم مصابها فخرجت في طلب إلياس ورقت الجبال حتى وجدت إلياس ,
فقالت : اني فجعت بموت ابني وألهمني الله تعالى الإستشفاع بك إليه ليحيى لي ابني
فإني تركته بحاله ولم أدفنه وأخفيت مكانه فقال لها ومتى مات ابنك ؟ قالت : اليوم
سبعة أيام.
فانطلق
إلياس وسار سبعة أيام أخرى , حتى انتهى إلى منزلها , فدعا الله سبحانه حتى أحيى
الله بقدرته يونس عليه السلام , فلما عاش انصرف إلياس . ولما صار أربعين سنة ,
أرسله الله إلى قومه , كما قال: ( وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى
مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ )
ثم أوحى
الله تعالى إلى إلياس بعد سبع سنين من يوم أحيى الله يونس : سلني أعطك فقال: تميتني
فتلحقني بآبائي , فإني قد مللت بني إسرائيل وأبغضتهم فيك فقال الله تعالى : هذا
اليوم الذي أعرى الأرض منك وأهلها , وإنما قوامها بك ولكن سلني أعطك , فقال إلياس :
فاعطني ثاري من الذي أبغضوني فيك فلا تمطر عليهم سبع سنين قطرة إلا بشفاعتي.
فاشتد على
بني إسرائيل الجوع وألح عليهم البلاء وأسرع الموت فيهم وعلموا أن ذلك من دعوة إلياس
, ففزعوا إليه وقالوا نحن طوع يدك فهبط إلياس معهم ومعه تلميذ له اليسع , وجاء
النبي الملك , فقال قتلت بني إسرائيل بالقحط. فقال قتلهم الذي أغواهم , فقال أدع
ربك ليسقيهم. فلما جن الليل عاد إلياس ودعا الله فقال لليسع: أنظر في أكناف السماء
ماذا ترى ؟ فرأى سحابة فقال أبشروا
بالسقاء , فليحرروا أنفسهم وأموالهم من الغرق فأمطر الله عليهم السماء وأنبت لهم
الأرض , فقام إلياس بين أظهرهم وهم صالحون. ثم أدركهم الطغيان والبطر , فجحدوا حقه
وتمردوا فسلط الله عليهم عدواً قصدهم ولم يشعروا به حتى رهقم , فقتل الملك وزوجته
وألقاهما في بستان الذي قتلته زوجة الملك.
ثم وصى
إلياس إلى اليسع , وأنبت الله لإلياس الريش وألبسه النور ورفعه إلى السماء وقذف
بكسائه من الجو على اليسع. فنبأه الله على بني إسرائيل وأوحى الله إليه وأيده ,
فكان بنو إسرائيل يعظمونه صلوات الله عليه ويهتدون بهداه.
وقال الشيخ الطبرسي : أختلف في إلياس , فقيل : هو إدريس
عليه السلام. وقيل: هو من أنبياء بني إسرائيل من ولد هارون بن عمران ابن عم اليسع ,
وهو إلياس بن يسع بن فنحاس بن العيزار بن هارون بن عمران.
عن ابن عباس
ومحمد بن اسحاق وغيرهما قالوا: انه بعث بعد حزقيل , لما عظمت الأحداث في بني
إسرائيل.
وكان يوشع
لما فتح الشام بوأها بني إسرائيل وقسمها بينهم , فأحل سبطاً منهم ببعلبك , وهم سبط
إلياس , بعث فيهم نبياً إليهم , فأجابه الملك , ثم ان امرأته حملته على الخلاف
لإلياس وطلبته لتقتله , فهرب إلى الجبال والبراري , واستخلف اليسع على بني إسرائيل
, ورفعه الله ما بين أظهرهم وقطع عنه لذة الطعام والشراب وكساه الريش , فصار إنسياً
ملكياً أرضياً سماوياً , وسلط الله على الملك وقومه عدواً لهم فقتلهم , وبعث الله
اليسع رسولا إلى بني إسرائيل فآمنوا به. وقيل : إن إلياس صاحب البراري , والخضر
صاحب الجزائر , ويجتمعان في كل يوم عرفة بعرفات. وذكر وهب أنه ذو الكفل. وقيل : هو
الخضر عليه السلام.
(الكافي) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم : عليكم بالكرفس فإنه طعام إلياس واليسع ويوشع بن نون
عليهم السلام.
وفيه عن أبي
جعفر الثاني عليه السلام قال: قال أبو عبدالله عليه السلام : بينما أبي (ع) يطوف في
الكعبة إذا رجل متعجر فقطع عليه أسبوعه حتى أدخله داراً جنب الصفا فأرسل إليّ؟ فكنا
ثلاثة , فقال مرحباً يا بن رسول الله , ثم قال: إن شئت أخبرني وإن شئت أخبرتك قال
أشاء , قال إياك أن تنطق لسانك عن مسألتي بأمر تضمر لي غيره , قال إنما يفعل ذلك من
في قلبه علمان يخالف أحدهما صاحبه , فإن الله عز وجل أبى أن يكون له علم فيه اختلاف
, قال هذه مسألتي وقد فسرت طرفاً منها , أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف
من يعلمه ؟ قال أما جملة العلم فعند الله سبحانه , وأما ما لا بد للعباد منه , فعند
الأوصياء.
قال : ففتح
الرجل عجرته واستوى جالساً وتهلل وجهه وقال هذه أردت , زعمت أن علم ما لا اختلاف
فيه عند الأوصياء فكيف يعلمونه قال
كما كان رسول الله يعلم إلا أنهم لا يرون ما كان رسول الله يرى , لأنه كان نبياً
وهم محدثون وانه كان يسمع الوحي وهم لا يسمعون , فقال صدقت يابن رسول الله , أخبرني
عن هذا العلم ماله لا يظهر كما كان يظهر مع رسول الله صلى الله عليه وآله قال فضحك
أبي عليه السلام وقال أبى الله أن يطلع على علمه إلا ممتحناً للإيمان به , كما قضى
على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصبر على أذى قومه ولا (يجابههم) إلا
بأمره , فكم من إكتام قد اكتتم به حتى قيل له : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ
الْمُشْرِكِينَ ) وأيم الله لو صدع قبل ذلك لكان آمناً ولكنه إنما نظر في
الطاعة وخاف الخلاف , فلذلك كذّب فوددت أن يميتك فتكون مع مهدي هذه الأمة والملائكة
بسيوف آل داود بين السماء والأرض يعذب أرواح الكفرة من الاموات ويلحق بهم أرواح
أشباههم من الأحياء. ثم أخرج سيفاً , ثم قال: ها ان هذا منها , فقال أبي: إي والذي
اصطفى محمداً على البشر.
قال: فرد الرجل
اعتجاره وقال: أنا إلياس ما سألتك عن أمرك ولي
منه جهالة غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لأصحابك.
(المناقب) لابن شهر اشوب المازندراني , روي عن أنس أن
النبي صلى الله عليه وآله سمع صوتاً من قلة جبل: اللهم اجعلني من الأمة المرحومة
المغفورة. فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا بشيخ أشيب قامته ثلاثمائة ذراع ,
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عانقه , ثم قال: اني آكل في كل سنة مرة
وهذا أوانه. فإذا هو بمائدة نزلت من السماء فأكلا , وكان إلياس عليه السلام.