الحسين ابن علي ابن أبي طالب عليهم السلام
ثالث
أئمة أهل البيت الطاهر وثاني السبطين سيدي شباب أهل الجنة وريحانتي المصطفى وأحد
الخمسة أصحاب الكساء وسيد الشهداء.
ولد
بالمدينة في الثالث من شعبان في سنة
ثلاث أو أربع من الهجرة وكانت مدة حمله ستة أشهر. ولما ولد جيء به إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله
فاستبشر به وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى فلما كان اليوم السابع سماه حسينا
وعق عنه بكبش وأمر فاطمة أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة كما فعلت بأخيه الحسن
فامتثلت ما أمرها به.
شهادته
قتل
عليهالسلام شهيدا في كربلاء من أرض العراق عاشر المحرم سنة 61 من الهجرة بعد الظهر
مظلوما ظمآن صابرا محتسبا. وكان عمره عليهالسلام يوم قتل 56 سنة . عاش منها مع جده
رسول الله صلىاللهعليهوآله ست سنين أو سبع سنين وشهورا وقال المفيد سبع سنين ومع
أبيه أمير المؤمنين 37 سنة. ومع أبيه بعد وفاة جده صلىاللهعليهوآله30 سنة إلا
أشهرا ومع أخيه الحسن 47 سنة ، ومع
أخيه بعد وفاة أبيه نحو عشر سنين ، وبقي بعد وفاة أخيه الحسن
عليه السلام الى وقت مقتله عشر سنين.
عاش عليه السلام مع
جده ست سنين وأشهرا وقد كمل عمره خمس سنين ومدة خلافته خمس سنين وأشهر في آخر ملك
معاوية وأول ملك يزيد.
نقش
خاتمه
في الفصول المهمة :
لكل أجل كتاب ، وفي الوافي و غيره عن الصادق عليهالسلام حسبي الله وعن الرضا
عليهالسلام أن الله بالغ أمره ، ولعله كان له عدة خواتيم هذه نقوشها.
وأما ألقابه عليه
السلام فكثيرة : الرشيد والطيب والوفي والسيد والزكي والمبارك والتابع لمرضاة الله
والسبط وسيد شباب الجنة والدليل على ذات الله تعالى والشهيد والمظلوم الشهيد السعيد
وأفضل ثقات الله والثاري بنفسه لله والمنتقم من أعداء الله وأجل الأسر والإمام
المظلوم والأسير المحروم والقتيل المرجوم والإمام الشهيد والولي الرشيد والوصي
السديد والطريد الفريد وذو النسب العلي والإمام الرضي وأبو عبدالله الحسين ومنبع
الأمة وشافع الأمة وعبرة كل مؤمن ومؤمنة وأطيب العرق وصاحب المحنة الكبرى والواقعة
العظمى وعبرة المؤمنين في دار البلوى ومن كان بالإمامة
أحق وأولى والمقتول بكربلاء وإبن علي المرتضى وزين المجتهدين وسراج المتوكلين ومفخر أئمة المهتدين وبضعة كبد
سيد المرسلين ونورالعترة الفاطمية وسراج الأنساب العلوية وشرف غرس الأحساب الرضوية
والمقتول بأيدي شر البرية وطالب الثأر يوم الصراط وأكرم العتر وأزهر البدر
ومعظم مكرم موقر منظف مظهر وأجمل الخلق وأطيب العرق ومجتبى الملك الغالب والحسين بن
علي بن أبي طالب .
وكنيته : أبوعبدالله
، والخاص : أبوعلي.
ومن أصحابه عليه
السلام عبدالله بن يقطر رضيعه وكان رسوله رمي به من أعلى القصر بالكوفة وأنس بن
الحارث الكاهلي وأسعد الشامي وعمرو بن ضبيعة ورميث بن عمرو وزيد بن معقل وعبدالله
بن عبدربه الخزرجي وسيف بن مالك وشبيب بن عبدالله النهشلي وضرغامة ين مالك وعقبة بن
سمعان وعبدالله بن سليمان والمنهال بن عمرو الأسدي والحجاج بن مالك وبشر بن غالب و
عمران بن عبدالله الخزاعي.
كرمه
دخل
الحسين عليهالسلام على أسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول واغماه فقال وما غمك قال
ديني وهو ستون ألف درهم فقال هو علي قال إني أخشى أن أموت قبل أن يقضى قال لن تموت
حتى أقضيها عنك فقضاها قبل موته.
ولما أخرج مروان الفرزدق من المدينة أتى
الفرزدق الحسين عليهالسلام فأعطاه الحسين أربعمائة دينار فقيل له إنه شاعر فاسق
فقال إن خير مالك ما وقيت به عرضك وقد أثاب رسول الله صلىاللهعليهوآله كعب بن
زهير وقال في العباس ابن مرداس اقطعوا لسانه عني.
وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق أن سائلا خرج
يتخطى أزقة المدينة حتى أتى باب الحسين فقرع الباب وأنشا يقول : لم يخب اليوم من
رجاك ومن حرك من خلف بابك الحلقه فأنت ذو الجود أنت معدنه أبوك قد كان قاتل الفسقة وكان الحسين
واقفا يصلي فخفف من صلاته وخرج إلى الأعرابي فرأى عليه أثر ضر وفاقة فرجع ونادى
بقنبر فأجابه لبيك يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال ما تبقى معك من نفقتنا
؟ قال مائتا درهم أمرتني بتفريقها في أهل بيتك فقال هاتها فقد أتى من هو أحق بها
منهم فأخذها و خرج يدفعها إلى الأعرابي وأنشا يقول : خذها فإني إليك معتذر واعلم بأني عليك ذو شفقه لو كان في سيرنا
الغداة عصا كانت سمانا عليك مندفقه
لكن ريب الزمان ذو نكد والكف منا قليلة النفقه.
فأخذها الأعرابي
وولى وهو يقول :
مطهرون نقيات جيوبهم تجري الصلاة
عليهم أينما ذكروا و أنتم أنتم الأعلون عندكم علم الكتاب وما جاءت
به السور من لم
يكن علويا حين تنسبه فما له في جميع
الناس مفتخر.
وفي تحف
العقول : جاءه رجل من الأنصار يريد أن يسأله حاجة فقال يا أخا الأنصار صن وجهك عن
بذلة المسألة وارفع حاجتك في رقعة فإني آت فيها ما هو سارك إن شاء الله فكتب يا أبا
عبد الله إن لفلان علي خمسمائة دينار وقد ألح بي فكلمه أن ينظرني إلى ميسرة فلما
قرأ الحسين عليهالسلام الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرة فيها ألف دينار وقال
له : أما
خمسمائة فاقض بها دينك وأما خمسمائة فاستعن بها على دهرك
، ولا ترفع حاجتك
إلا إلى ثلاثة إلى ذي دين أو مروءة أو حسب ، فأما
ذو الدين فيصون دينه ، وأما
ذو المروءة فإنه يستحيي لمروءته ، وأما
ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردك بغير
قضاء حاجتك.
رأفته بالفقراء
والمساكين وإحسانه إليهم
وجد على
ظهره عليه السلام
يوم الطف أثر فسئل زين العابدين عليه السلام
عن ذلك فقال هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى
والمساكين.
تواضعه
مر
عليه السلام
بمساكين وهم يأكلون كسرا على كساء فسلم عليهم فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم وقال لو
لا أنه صدقة لأكلت معكم ثم قال قوموا إلى منزلي فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.
وروى ابن عساكر في
تاريخ دمشق أنه عليه السلام
مر بمساكين يأكلون في الصفة فقالوا الغداء فنزل وقال إن الله لا يحب المتكبرين
فتغذى ثم قال لهم قد أجبتكم فأجيبوني قالوا نعم فمضى بهم إلى منزله وقال للرباب
خادمته اخرجي ما كنت تدخرين.
حلمه
جنى
غلام له جناية توجب العقاب فأمر بضربه فقال يا مولاي والكاظمين الغيظ قال خلوا
عنه ، فقال
يا مولاي والعافين عن الناس قال قد عفوت عنك ، قال
يا مولاي والله يحب المحسنين قال أنت حر لوجه الله ولك ضعف ما كنت
أعطيك.
فصاحته و
بلاغته
ربي الحسين
عليهالسلام بين رسول الله صلىاللهعليهوآله أفصح من نطق بالضاد وأمير المؤمنين
عليهالسلام الذي كان كلامه بعد كلام النبي صلىاللهعليهوآله فوق كلام المخلوق
ودون كلام الخالق وفاطمة الزهراء التي تفرغ عن لسان أبيها صلىاللهعليهوآله فلا
غرو إن كان أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء وهو الذي كان يخطب يوم عاشوراء وقد اشتد
الخطب وعظم البلاء وضاق الأمر وترادفت الأهوال فلم يزعزعه ذلك ولا اضطرب ولا تغير
وخطب في جموع أهل الكوفة بجنان قوي وقلب ثابت ولسان طلق ينحدر منه الكلام كالسيل
فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه وهو الذي قال فيه عدوه وخصمه في
ذلك اليوم : ويلكم
كلموه فإنه ابن ابن أبيه والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع ولما حصر.
شجاعته
أما
شجاعته فقد أنست شجاعة الشجعان وبطولة الأبطال وفروسية الفرسان من مضى ومن سيأتي
إلى يوم القيامة، فهو الذي دعا الناس إلى المبارزة فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى
قتل مقتلة عظيمة ، وهو الذي قال فيه بعض الرواة : والله ما رأيت مكثورا قط قد قتل
ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جاشا ولا أمضى جنانا ولا أجرأ مقدما منه والله ما رأيت
قبله ولا بعده مثله وإن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه
وعن شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب، ولقد كان يحمل فيهم فينهزمون من بين
يديه كأنهم الجراد المنتشر، وهو الذي حين سقط عن فرسه إلى الأرض وقد أثخن بالجراح ،
قاتل راجلا قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترص العورة. ويشد على الشجعان وهو
يقول : أعلي تجتمعون ، وهو الذي جبن الشجعان وأخافهم وهو بين الموت والحياة حين بدر
خولي ليحتز رأسه فضعف وأرعد. وفي ذلك يقول السيد حيدر الحلي : عفيرا متى عاينته
الكماة يختطف الرعب ألوانها فما أجلت
الحرب عن مثله قتيلا يجبن شجعانها
وهو الذي صبر على طعن الرماح وضرب السيوف ورمي السهام حتى صارت السهام في درعه
كالشوك في جلد القنفذ وحتى وجد في ثيابه مائة وعشرون رمية بسهم و في جسده ثلاث
وثلاثون طعنة برمح وأربع وثلاثون ضربة بسيف.
أهل
بيته
أما أهل بيته من
أبنائه وأخواته وبني أخيه وبني عمه فكانوا خيرة أهل الأرض وفاء وإباء وشجاعة
وإقداما وعلو همم وشرف نفوس وكرم طباع ، أبوا أن يفارقوه وقد أذن لهم وفدوه بنفوسهم
بذلوا دونه مهجهم وقالوا له لما أذن لهم بالانصراف : ولم نفعل ذلك لبقي لنبقى بعدك لا أرانا
الله ذلك أبدا، ولما قال لبني عقيل : حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم ، اذهبوا فقد
أذنت لكم ، قالوا : سبحان الله!فما يقول الناس لنا، وما نقول لهم إنا تركنا شيخنا
وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب
معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا ، لا والله ما نفعل ، ولكنا نفديك بأنفسنا وأحوالنا
أموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك، فقتلوا جميعا
بين يديه مقبلين غير مدبرين ، و هو الذي كان يقول لهم ، و قد حمي الوطيس واحمر
البأس مبتهجا بأعمالهم : صبرا يا بني عمومتي صبرا يا أهل بيتي فوالله لا رأيتم
هوانا بعد هذا اليوم أبدا.فلله درهم من عصبة رفعوا منا الفخر ولبسوا ثياب العز غير
مشاركين فيها وتجلببوا جلباب الوفاء، وضمخوا أعوام الدهر بعاطر ثنائهم ونشروا راية
المجد والشرف تخفق فوق رءوسهم ، وجلوا جيد الزمان بأفعالهم الجميلة ، و أمسى ذكرهم
حيا مدى الأحقاب والدهور مالئا المشارق والمغارب ونقشوا على صفحات الأيام سطور مدح
لا تمحى وإن طال العهد وعاد سنا أنوارهم يمحو دجى الظلمات ويعلو نور الشمس
والكواكب.
أصحابه
وأما أصحابه فكانوا خيرأصحاب فارقوا الأهل والأحباب وجاهدوا دونه جهاد الأبطال وتقدموا مسرعين إلى ميدان القتال قائلين له أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا يضاحك بعضهم بعضا قلة مبالاة بالموت وسرورا بما يصيرون إليه من النعيم ، ولما أذن لهم في الانصراف أبوا وأقسموا بالله لا يخلونه أبدا ولا ينصرفون عنه قائلين أنحن نخلي عنك وقد أحاط بك هذا العدو وبم نعتذر إلى الله في أداء حقك ، وبعضهم يقول لا والله لا يراني الله أبدا وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك أو أموت معك و بعضهم يقول والله لو علمت إني أقتل فيك ثم أحيا ثم أحرق حيا يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك وبعضهم يقول والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرة وأن الله يدفع بذلك القتل عنك و عن أهل بيتك وبعضهم يقول أكلتني السباع حيا إن فارقتك ولم يدعو أن يصل إليه أذى وهم في الأحياء ومنهم من جعل نفسه كالترس له ما زال يرمي بالسهام حتى سقط وأبدوا يوم عاشوراء من الشجاعة والبسالة ما لم ير مثله فأخذت خيلهم تحمل وإنما هي اثنان وثلاثون فارسا فلا تحمل على جانب من خيل الأعداء إلا كشفته.
وأما زوجاته عليهن
رضوان الله تعالى برة بنت عروة بن مسعود الثقفي أم علي الأكبر وشهربانويه بنت كسرى
أم السجاد وعلي الأوسط وأم الرباب بنت أمرئ القيس أم محمد وعبدالله وقضاعية أم جعفر
وأم اسحاق بنت طلحة بن عبدالله أم فاطمة رضوان الله عليهن جميعا لما لهن من مآثر
بعد مقتله.
وأما أبناؤه عليه
السلام علي الأكبر الشهيد وعلي الإمام وهو علي الأوسط وعلي الأصغر ومحمد وعبدالله
الشهيد من الرباب وجعفر وبناته سكينة بنت أم الرباب وفاطمة وزينب وأعقب الحسين عليه
السلام من إبن واحد وهو زين العابدين وإبنتين عليهم رضوان الله تعالى ، وفي (كشف
الغمة) قيل : كان له عليه السلام ست بنين وثلاث بنات علي الأكبر الشهيد معه في
كربلاء والإمام زين العابدين وعلي الأصغر ومحمد وعبدالله الشهيد معه وجعفر وزينب
وسكينة وفاطمة وقال الحافظ عبدالعزيز الجنابذي : ولد للحسين بن علي بن أبي طالب
عليهم السلام ستة منهم أربعة ذكور وإبنتان كما مذكور آنفا
وقال الزهري: ما رأيت هاشميا أفضل منه.