الجمع بين الصّلاتين
بسم الله الرحمن الرحيم
ومما يشنع به على الشيعة أيضا جمعههم لصلاة الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا، وأهل السنة والجماعة إذ يشنّعون على الشيعة كثيرا ما يصوّرون أنفسهم إنهم يحافظون على الصلاة لان الله سبحانه وتعالى يقول "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" وكثيرا ما نسعهم ينبزون الشيعة بأنهم مهملين للصلاة ومخالفين لأمر الله سبحانه وأمر رسوله (r)
وقبل أن نحكيم لهم أو عليهم يجب علينا ان نبحث في الموضوع من جميع جوانبه ونرى أقوال الطرفين كالعادة ونستمع الى المدعي والمدعى عليه وندرس حجه الفريقين لنكون على بيّنه من الأمر فلا نتسرع بإدانة هؤلاء على ساب أولئك.
إما أهل السنة والجماعة فهم متفقون على جواز الجمع بعرفة بين الظهر والعصر ويسمى جمع تقديم، وجواز الجمع بالمزدلفة وقت العشاء بينها وبين فريضة المغرب ويسمى جمع تأخير، وهذا ما يتفق عليه كل المسلمون شيعه وسنّه بل كل الفرق الإسلامية بدون استثناء.
والخلاف بين الشيعة وأهل السنة هو في جواز الجمع بين الفريضتين الظاهر والعصر، والمغرب والعشاء في كل أيام السنة بدون عذر السفر.
إما الحنفية فيقولون بعدم الجواز حتى في السفر وذلك مع وجود النصوص الصريحة بجوازه لا سيما في السفر وخالفوا بذلك إجماع ألامه سنه وشيعه.
وإما المالكية والشافعية والحنبلية فيقولون بجواز الجمع بين الفريضتين في السفر، ويختلفون بينهم في جوازه لعذر الخوف والمرض والمطر والمطر والطين.
وهنا يجب علينا أن نقف منهم موقف الاتهام والتشكيك، لأنه كلما احتج أهل السنة والجماعة عليهم بحجة، إلا ويردونها بان ألائمه من أهل البيت عليهم السلام علّموهم وبّينوا لهم كل ما أشكال عليهم ويفتخرون بأنهم يقتدون بائمه معصومون يعلمون القران والسنة!
وانأ أتذكر بان أول صلاة جمعت فيها بين الظهر والعصر كانت بإمامه الشهيد محمد باقر الصدر عليه رضوان الله إذ كنت وانأ في النجف افرّق بين الظهر والعصر حتى كان ذلك اليوم السعيد الذي خرجت فيه مع السيد محمد باقر الصدر من بيته إلى المسجد الذي يؤم فيه مقلدوه الذين احترموني وتركوا لي مكانا خلفه بالضبط ولما انتهت صلاة الظهر وأقيمت صلاة العسر، حدثتني نفسي بالانسحاب ولكن بقيت لسببين أولها هيبة السيد الصدر وخشوعه في الصلاة حتى تمنيت ان تطول-وثانيهم وجودي في ذلك المكان وانأ اقرب المصلين إليه وأحسست بقوة قاهره تشدني إليه ولما فرغنا من أداء فريضة العصر وانهال عليه الناس يسألونه كنت خلفه اسمع الأسئلة والإجابة عليها إلا ما كان خفيا، واستحيت منه إن أشده اثر مما شد، ثم أخذني معه إلى بيته للغداء وهناك ودت نفسي شيف الشرف، واغتنمت فرصة ذلك المجلس وسألته عن الجمع بين الصلاتين.
أجاب السيد محمد باقر الصدر:
-عندنا روايات مثيرة عن ائمه الهُدى سلام الله عليهم بان رسول الله (r) صلّى هذه الصلاة كما جمع بين المغرب والعشاء في غير خوف ولا سفر أنا لرفع الحرج عن أمته.
- قلت: لم افهم الحرج، قال تعالى: "ما جعل عليكم في الدين حرج"
- قال: ولما كان الله سبحانه وتعالى عالم بكل شيء فقد عَلِمَ انه سيكون في العصور المتاخره ما يسمى عندنا بالوظائف العمومية والأشغال الحكومية كالحرس والشرطة والجيش والعاملين في المؤسسات العمومية وحتى الطلبة والأساتذة فكل هؤلاء يحرجهم الدين لو كلفهم بإقامة الصلوات الخمسة في أوقاتها المتفرقة ومن اجل ذلك أوحى الرسول الأكرم(r) أن يصلي بهم الفريضتين في وقت واحد لتكون أوقات الصلاة ثلاثة بدلا من خمسه وهو أسهل على المسلمين وليس فيه حرج.
- قلت: ولكن السنة النبوية لا تنسخ القران
- قال: أنا ما قلت بان السنة نسخت القران بل أنها تفسر القران وتوضح ما أشكال فيه علينا
- قلت: فالله سبحانه يقول"إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" والمشهور في السنة آن جبرائيل عليه السلام جاء للنبي(r) وصلّى به خمس مرات في اليوم والليلة وسميت تلك الصلوات بالظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصبح.
بالتفريق وبالجمع بين الفريضتين فذلك الآية على إن تفريق الصلاة إلى خمس أوقات أو جمعها في ثلاث أوقات هو الوقت الصحيح الذي يرتضيه الله سبحانه.
- قلت: سيدي، لم افهم! لماذا يقول الله كتابا موقوتا، إذا؟
- أجابني مبتسما: هل تعتقد إن المسلمين في الحج لا يقيمون الصلاة في أوقاتها وهم يخالفون الله عندما يجمعون في عرفة صلاة الظهر والعصر وفي المزدلفة صلاة المغرب والعشاء! وذلك إقتداء بما فعله رسول الله (r) ؟
فكرت قليلا وقلت: ربما ذلك لعذر وهو تعب الحجيج فأراد الله إن يخفف عنهم.
قال: وهنا أيضا أراد الله إن يرفع الحرج عن المتأخرين من أمه محمد (r) ليكون الدين سهلا عليهم.
- قلت: سيدي أعود لقولك بأن الله أوحي لنبية(r) أن يصلي بهم الفريضتين في وقت واحد لتكون الصلاة ثلاثة أوقات بدلا من خمسه، ففي أي إيه قال ذلك؟
- أجاب على الفور: وفي إي إيه أمر رسوله(r) إن يجمع الفريضتين في عرفه وفي المزدلفة؟؟ وفي إي إيه ذكر خمس أوقات؟
سكت ولم ابد اعتراض، مقتنعا بجوابه في هذه المرة
أضاف قائلا: ليس كلّ ما يوحي الله لنبيه يكون بالضرورة قرآنا يتلى "قل لو كان البجر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل إن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا" وإنما كل ما نسمية نحن بالسنة النبوية هو من وحى الله سبحانه وتعالى لنبيه(r) ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى"ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" وبعبارة أخرى ما كان للصحابة إن يعترضوا على النبي(r) عندما يأمرهم أو ينهاهم بان يطالبوه بالآية من كلام الله. وإنما يمتثلون أوامره ونواهيه باعتبار ان كل ما يصدر عنه هو وحي من الله.
أدهشني السيد محمد باقر الصدر بما أورده وكنت جاهلا لهذه الحقيقة- فقلت مستفسرا عن موضوع جمع الصلاتين.
- سيدي أيمكن للمسلم إن يجمع بين الفريضتين في حالة الضرورة؟
- قال: يمكن للمسلم إن يجمع بين الفريضتين في جميع الحالات وبدون ضرورة.
- قلت: وما هي حجتكم؟
- قال: لان الرسول الله(r) جمع بين الفريضتين في المدينة في غير سفر ولا خوف ولا مطر ولا ضرورة، وإنما فقط لدفع الحرج عنا. وهذا بحمد الله ثابت عندنا من طريق الأئمة الأطهار ثابت أيضا عندكم.
-استغربت كيف يكون ثابت عندنا ولم اسمع به قبل ذلك اليوم ولا رايت احدا من اهل السنة و الجماعة يعمل به بل بالعكس يقولون ببطلان الصلاة اذا وقعت حتى دقيقه قبل الأذان فكيف بمن يصليها قبل ساعات مع الظهر، او يصلي صلاة العشاء مع المغرب فهذا يبدو عندنا منكرا وباطلا.
وفهم السيد محمد باقر الصدر حيرتي واستغرابي وهمس إلى بعض الحاضرين فقام مسرعا وجاءه بكتابين عرفت بانهما صحيح البخاري وصحيح مسلم، وكلّف السيد الصدر ذلك الطالب بان يطلعني على الأحاديث التي تتعلق بالجمع في الفريضتين وقرأت بنفسي في صحيح البخاري كيف جمع النبي(r) فريضة الظهر والعصر وكذلك المغرب والعشاء كما قرأت في صحيح مسلم بابا كاملا في الجمع بين الصلاتين في الحصر في غير خوف ولا مطر ولا سفر.
ولم اخفِ تعجبي ودهشتي وان كان الشك داخلني بان البخاري ومسلم اللذان عندهم قد يكونان مدلسان وأخفيت في نفسي أن أراجع هذين الكتابين في تونس.
وسألني السيد محمد باقر الصدر عن رأيي بعد هذا الدليل
- قلت: انتم على الحق، وانتم صادقون في ما تقولون، وبودي أن أسالكم سؤالا أخر.
- قال: تفضل
- قلت: هل يجوز الجمع بين الصلوات الأربع كما يفعل كثير من الناس عندنا لما يرجعوا في الليل يصلون الظهر والعصر والمغرب والعشاء قضاء.
- قال: هذا ر يجوز إلا لضرورة فالضرورات تبيح المحظورات لان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا
- قتل: انك قلت لي فيما سبق بان رسول الله (r) فرق وجمع وبذلك فهمنا مواقيت الصلاة التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى.
- قال: إن لفريضتي الظهر والعصر وقت مشترك ويبتدئ من زوال الشمس إلى الغروب، ولفريضتي المغرب والعشاء أيضا وقت مشترك ويبتدئ من غروب الشمس إلى منتصف الليل ولفريضة الصبح وقت واحد يبتدئ من طلوع الفجر إلى شروق الشمس فمن خالف هذه المواقيت يكون خالف الآية الكريمة "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" فلا يمكن لنا مثلا إن نصلي الصبح قبل الفجر ولا بعد شروق الشمس كما لا يمكن لنا إن نصلي فريضتي الظهر والعصر بل الزوال أو بعد الغروب كما لا يجوز لا إن نصلي فريضتي المغرب والعشاء قبل الغروب ولا بعد منتصف الليل.
وشكرت السيد محمد باقر وإن كنت اقتنعت بكل أقواله غير أني لم أجمع بين الفرضين بعد مغادرته إلا عندما رجعت إلى تونس وانهمكت في البحث واستنصرت هذه قصتي مع الشهيد الصدر رحمه الله عليه في خصوص الجمع بين الفرضين أرويها ليتبين إخوان من أهل السنة والجماعة أولا، كيف تكون أخلاق العلماء الذين تواضعوا حتى مانوا بحق ورثة الأنبياء في العلم والأخلاق.
ثانيا، كيف نجهل ما في صحاحنا ونشنع على أشياء نعتقد في صحتها وإنما من السنة النبوية الشريفة وبالتالي فإننا نسخر ونستهزئ بما فعله رسول الله(r) وندعي في نفس الوقت فأننا نحن أهل السنة!!
وأعود إلى الموضوع فأقول إذا وقفنا من أقول الشيعة موقع الشك والاتهام لأنهم يرجعون كل شي إلى ائمه أهل البيت ولعل ائمه أهل البيت من ذلك براء غير انه لا يسعنا ن نشكك في صحانا التي الزمنا بما أنفسنا وإذا شككنا فيها، فما ادري ماذا يبقى معنا من الدين؟
فعلى الباحث المحقق إن يكون منصفا ويبتغى في كل أبحاثه وجه الله سبحانه ورضاه عسى إن يهديه اللي صراطه المستقيم ويغفر له ذنوبه ويدخله جنه النعيم.
واليك الآن ما أخرجه علماء أهل السنة والجماعة في الجمع بين الفريضتين حتى لا تظن بأنها بدعه شيعة.
- اخرج الإمام احمد بن حنبل في مستنده((عن ابن عباس صال: صلّى رسول الله(r) في المدينة مقيما غير مسافر سبعا وثمانيا))
- واخرج الإمام مالك في المطأ ((عن ابن عباس قال: صلّى رسول الله(r) الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر))
- واخرج الإمام مسلم في صحيحة في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر قال: ((عن ابن عباس قال: صلّى رسول الله(r) الظهر والعصر جميعا، والمغرب والشعاء جميعا في غير خوف ولا سفر))
كما اخرج عن ((ابن عباس أيضا قال: جمع رسول الله(r) بين الزهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مظر، قال قلت لابن عباس لِمَ فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج آمته)).
ومما يدلك أخي القارئ إن هذه السنة النبوية كانت مشهورة لدى الصحابة ويعلمون بها، وما روا مسلم أيضا في صحيحة في نفس الباب قال: خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة...الصلاة، قال فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك ثم قال رأيت رسول الله(r) جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وفي رواية أخرى قال ابن عباس للرجل: لا ام لك أتعلمنا بالصلاة وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله(r) .
وخرج الإمام البخاري في صحيحة في باب وقت العصر قال سمعت ابا امامه يقول: صلينا مع عنر بن عبدا لعزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على انس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلت يا عم ما هذه الصلاة التي صلّيت قال العصر وهذه صلاى رسول الله(r) التي كنا نصلي معه.
وبعد هذا الاستعراض ن أحاديث الصحاح عند أهل السنة والجماعة التي اكتفينا بالقليل منها نتساءل دائما لماذا يشنع أهل السنة على الشيعة؟
وكالعادة أقول إنهم يقولون ما لا يفعلون ويشنعون على ما يعتقدون بصحته.
قام الإمام عندنا في مدينه قفة ليشنع علينا ويشهر بنا وسط المصلين قائلا: ارايتم هذا الدين الذي جاؤوا به إنهم بعد صلاة الظهر يقومون ويصلون العصر، انه الدين جديد ليس هو دين محمد رسول الله(r) ، هؤلاء يخالفون القرآن الذي يقول: "ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" وما ترك شيئا تم به المستبصرين.
وجاءني احد المستبصرين وهو شاب على درجه كبيرة من الثقافة وحكى لي ما قاله الإمام بألم ومرارة، فأعطيته صحيح البخاري وصحيح مسلم وطلبت منه ان يطلعه على صحة الجمة وهو سنه النبي(r)، لأني لا أريد الدال معه فقد سبق لي وان جادلته بالتي هي أحسن فقابلني بالشتم والسبّ والتّهم الباطلة، والمهم إن صديقي لم ينقطع من الصلاة خلفه فبعد انتهاء الصلاة جلس الإمام كعادته للدرس فتقدم إليه صديقي بالسؤال عن الجمع بين الفريضتين فقال: إنها من بدع الشيعة، فقال له صديقي: ولكنها ثابتة في صحيح مسلم وأعطاه فقرأ باب الجمع بين الصلاتين- يقول صديقي فلما صدمته الحقيقة إمام المصلين الذين يستمعون لدروسه، أغلق الكتب وارجعهها إلي قائلا: هذه خاصة برسول الله حتى تصبح أنت رسول الله فبمكانك إن نصليها. يقول هذا الصديق فعرقت انه جاهل متعصب وأقسمت من يومها إن لا اصلي خلف.
فانظر أيها القارئ الى هذا التعصب الذي يعمي العيون ويغلف القلوب فيحجبها عن رؤية الحق فتقول بالمثل السائد عندنا"عنزة ولو طارت"
وطلبت من صديقي بان يرجع إليه لطلعه على أن ابن عباس كان يصلي تلك الصلاة وكذلك انس بن مالك كثير من أصحابه فلماذا يريد هو تخصيصها برسول الله(r) ،أولم يكن لنا في رسول الله أسوة حسنه؟ ولكن صديقي اعتذر لي قائلا: لا داعي لذلك وانه لا يقتنع ولو جاءه رسول الله(r) بنفسه.
إنها احتمالات مستحيلة ولكنها تعبر عن واقع ملموس وحقيقة مريرة عبر عنها كتاب الله عز وجل في سورة الروم بقوله"فانك لا تسمع الموتى وتسمع الصم الدعاء إذا ولو مدبرين، وما أنت بهادِ العمي عن ضلالتهم ان تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلون:"
وانه والحمد لله بعد أن عرف كثير من الشباب هذه الحقيقة وهي الجمع بين الصلاتين رجع اغلبهم إلى الصلاة بعد تركها لأنهم كانوا يعانون من فوات الصلاة في وقتها ويجمعون الأوقات الاربعه في الليل فتمل قلوبهم، وأدركوا الحكمة في الجمع بين الفريضتين لان كل الموظفين والطلبة وعامه الناس يقدرون على أداء الصلوات في أوقاتها وهم مطمئنون، وفهموا قول الرسول الأكرم(r) كم لا أحرج أمتي.