( عيون الأخبار ) عن الريان بن شبيب قال: دخلت على الرضا
عليه السلام في أول يوم من المحرم فقال: يا بن شبيب أصائم أنت ؟ فقلت لا , فقال: ان
هذا اليوم الذي دعا فيه زكريا عليه السلام فقال: (( رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ
سَمِيعُ الدُّعَاء )) فاستجاب الله وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي
في المحراب (( أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى )) فمن صام هذا
اليوم ودعا الله عز وجل , استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليه السلام.
( الكافي ) عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت
ما عنى الله تعالى بقوله في يحيى (وَحَنَانًا مِّن
لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا) قال فما بلغ من تحنن الله عليه ؟
قال: إذا قال: يا رب , قال الله عز وجل : لبيك يا يحيى.
( الأمالي ) بإسناده إلى النبي (ص) قال: كان من زهد يحيى
بن زكريا (ع) أنه أتى بيت المقدس بنظر إلى المجتهدين من الأحبار والرهبان عليهم
مدارع الشعر وبرانس الصوف وإذا هم خرقوا تراقيهم وسلكوا فيها السلاسل وشدوها إلى
سواري المسجد. فلما نظر إلى ذلك , أتى إلى أمه , فقال: يا أماه إنسجي لي مدرعة من
شعر وبرنساً من صوف حتى آتي بيت المقدس فأعبد الله مع الأحبار والرهبان فقالت له
أمه حتى يأذن نبي الله وأوامره في ذلك , فدخل بمقالة يحيى , فقال زكريا: يا بني ما
يدعوك إلى هذا وإنما أنت صبي صغير ؟ فقال له يا أبت أما رأيت من هو أصغر سناً مني
قد ذاق الموت ؟ قال بلى , ثم قال لأمه انسجي له مدرعة من شعر وبرنساً من صوف ,
ففعلت.
فتدرع
المدرعة على بدنه ووضع البرنس على رأسه , ثم أتى بيت المقدس فأقبل يعبد الله عز وجل
مع الأحبار , حتى أكلت مدرعة الشعر لحمه. فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه ,
فبكى , فأوحى الله تعالى : يا يحيى أتبكي مما قد نحل من جسمك , وعزتي وجلالي لو
اطلعت على النار إطلاعة , لتدرعت مدرعة الحديد فضلاً عن المنسوج , فبكى حتى أكلت
الدموع لحم خديه , وبدا للناظرين أضراسه.
فبلغ ذلك
أمه , فدخلت عليه وأقبل زكريا واجتمع الأحبار والرهبان فأخبروه بذهاب لحم خديه ,
فقال ما شعرت بذلك , فقال زكريا: يا بني ما يدعوك إلى هذا إنما سألت ربي أن يهبك لي
لتقر بك عيني ؟ قال أنت أمرتني بذلك يا أبة , قال ومتى ذلك يا بني ؟ قال: ألست
القائل : أن بين الجنة والنار لعقبة لا يجوزها إلا البكاؤون من خشية الله ؟ قال بلى
, فجد واجتهد وشأنك غير شأني. فقام يحيى فنفض مدرعته , فأخذته أمه فقالت : أتأذن لي
يا بني أن أتخذ لك قطعتي لبود يواريان أضراسك وينشفان دموعك ؟ فقال لها: شأنك.
فاتخذت له قطعتي لبود يواريان أضراسه وتنشفان دموعه , حتى إبتلتا من دموع عينيه ,
فحسر عن ذراعيه , ثم أخذهما فعصرهما فتحدر الدموع بين أصابعه.
فنظر زكريا
إلى ابنه وإلى دموع عينيه , فرفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم ان هذا ابني وهذه
دموع عينيه وأنت أرحم الراحمين.
وكان زكريا
عليه السلام إذا أراد أن يعظ بني إسرائيل يلتفت يميناً وشمالاً فإن رأى يحيى لم
يذكر جنة ولا نار.
فجلس ذات
يوم يعظ بني إسرائيل , وأقبل يحيى قد لف رأسه بعباءة , فجلس في غمار الناس , والتفت
زكريا يميناً وشمالاً فلم ير يحيى , فأنشأ يقول : حدثني حبيبي جبرئيل عن الله تبارك
وتعالى : إن في جهنم جبلاً يقال له السكران في أصل ذلك الجبل وادياً يقال له
الغضبان , يغضب لغضب الرحمن تبارك وتعالى , في ذلك الوادي جب قامته مائة عام في ذلك
الجب توابيت من نار في تلك التوابيت صناديق من نار وثياب من نار وسلاسل من نار
وأغلال من نار.
فرفع يحيى
(ع) رأسه فقال: واغفلتاه من السكران , ثم أقبل هائماً على وجهه فقام زكريا من مجلسه
ودخل على أم يحيى فقال لها: يا أم يحيى قومي فاطلبي يحيى فإني قد تخوفت أن لا نراه
إلا وقد ذاق الموت , فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان من بني إسرائيل فقالوا لها
يا أم يحيى أين تريدين ؟ قالت أن أطلب ولدي يحيى ذكرت النار بين يديه فهام على
وجهه.
فمضت أمي
يحيى والفتية معها , حتى مرت براعي غنم , فقالت له: يا راعي هل رأيت شاباً من صفته
كذا وكذا ؟ فقال لها لعلك تطلبين يحيى بن زكريا ؟ قالت نعم ذاك ولدي , ذكرت النار
بين يديه فهام على وجهه , فقال إني تركته الساعة على عقبة ثنية كذا وكذا ناقعاً على
قدميه في الماء رافعاً بصره إلى السماء يقول: وعزتك يا مولاي لا ذقت بارد الشراب
حتى أنظر إلى منزلتي منك.
وأقبلت أمه
, فلما رأته دنت منه فأخذت برأسه فوضعته بين ثدييها وهي تناشده بالله أن ينطلق معها
إلى المنزل , فانطلق معها إلى المنزل. فقالت: هل لك أن تخلع مدرعة الشعر ؟ وتلبس
مدرعة الصوف فإنه ألين , ففعل , وطبخ له عدس فأكل واستوفى , فنام فذهب به النوم فلم
يقم لصلاته.
فنودي في
منامه : يا يحيى بن زكريا أردت داراً خيراً من داري وجواراً خيراً من جواري ,
فاستيقظ فقام فقال: يا رب اقلني عثرتي إلهي فوعزتك لا استظل بظل سوى بيت المقدس ,
وقال لأمه : ناوليني مدرعة الشعر فقد علمت أنكما ستوردا بي المهالك , فدفعت إليه
المدرعة وتعلقت به فقال لها زكريا: يا أم يحيى دعيه فإن ولدي قد كشف عن قناع قلبه
ولن ينتفع بالعيش. فقام يحيى فلبس مدرعته ووضع البرنس على رأسه , ثم أتى بيت المقدس
فجعل يعبد الله عز وجل مع الأحبار حتى كان من أمره ما كان. وعن أمير المؤمنين عليه
السلام:ما بكت السماء والأرض إلى على يحيى بن زكريا والحسين بن علي عليهما
السلام.
وقيل
: لأن الله سبحانه
أحياه بالإيمان . أو أن الله سبحانه أحيى قلبه بالنبوة , ولم يسم أحد قبله
بيحيى.
( الأمالي ) عن الرضا عليه السلام : أن إبليس كان يأتي
الأنبياء (ع) من لدن آدم (ع) إلى أن
بعث الله المسيح (ع) يتحدث عندهم ويسائلهم ولم يكن بأحد منهم أشد بأساً منه بيحيى
بن زكريا (ع).
فقال له
يحيى (ع) : يا أبا مرة إن لي إليك حاجة فقال أنت أعظم قدراً من أن أردك بمسألة
فسلني ما شئت فإني غير مخالفك فيما تريده فقال له يحيى (ع) يا أبا مرة أريد أن تعرض
علي مصائدك وفخوخك التي تصطاد بها بني آدم , فقال له إبليس : حباً وكرامة وواعده
لغد.
فلما أصبح
يحيى (ع) قعد في بيته ينتظر الموعد وأغلق عليه الباب فما شعر حتى ساواه من خوخة
كانت في بيته , فإذا وجهه صورة وجه القرد وجسده على صورة الخنزير وإذا عيناه
مشقوقتان طولاً وأسنانه عظم واحد بلا ذقن ولا لحية وله أربعة أيد يدان في الصدر
ويدان في منكبه وإذا عراقيبه قوادمه وأصابعه خلفه وعليه قباء وقد شد وسطه بمنطقة
فيها خيوط بين أحمر وأصفر وأخضر وجميع الألوان وإذا بيده جرس عظيم وعلى رأسه بيضة
وإذا في البيضة حديدة معلقة شبيهة بالكلاليب.
فلما تأمله
يحيى (ع) قال له: ما هذه المنطقة التي في وسطك ؟ فقال هذه المجوسية أنا الذي سننتها
وزينتها لهم , فقال وما هذه الخيوط الألوان ؟ قال له هذه جميع أصباغ النساء لا تزال
المرأة تصبغ الصبغ حتى تقع مع لونها , فافتتن الناس بها فقال له: فما هذا الجرس
الذي بيدك؟ قال هذا كل لذة من طنبور وبربط وطبل وناي وصرناي , وأن القوم ليجلسون
على شرابهم فلا يستلذونه فأحرك الجرس فيما بينهم فإذا سمعوا استخفهم الطرب فمن بين
من يرقص ومن بين من يفرقع بإصابعه ومن بين من يشق ثيابه , فقال له: وأي الأشياء أقر
لعينك ؟ فقال النساء هن فخوخي ومصائدي فإني إذا اجتمعت على دعوات الصالحين ولعناتهم
صرت إلى النساء فطابت نفسي بهن فقال له يحيى (ع) فما هذه البيضة التي على رأسك ؟
قال بها أوتي دعوات المؤمنين قال فما هذه الحديدة التي أرى فيها الكلاليب ؟ قال
بهذه أقلب قلوب الصالحين , قال يحيى (ع) فهل ظفرت بي ساعة قط ؟ قال لا ولكن فيك
خصلة تعجبني بها , قال يحيى (ع) : فما هي ؟ قال أنت رجل أكول فإذا ظفرت وأكلت
فيمنعك ذلك من بعض صلاتك وقيامك بالليل قال يحيى (ع) : فإني أعطي الله عهداً لا
أشبع من الطعام حتى ألقاه. قال له إبليس وأنا أعطي الله عهداً ألا أنصح مسلماً حتى
ألقاه , ثم خرج فما عاد إليه بعد ذلك.
وعن علي بن
الحسين عليهم السلام قال: خرجنا مع
الحسين (ع) فما نزل منزلاً ولا ارتحل إلا وذكر يحيى بن زكريا عليهما السلامز وقال
يوماً : إن من هوان الدنيا على الله عز وجل أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من
بغايا بني إسرائيل.
( كتاب الإحتجاج ) سأل سعد بن عبدالله القائم عليه
السلام عن تأويل ( كهيعص ) فقال (ع) : هذه الحروف
من أنباء الغيب , اطلع الله عليها عبده ثم قصها على محمد صلى الله عليه وآله
وسلم.
وذلك أن
زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة , فأهبط الله عليه جبرئيل فعلمه إياها. فكان
زكريا عليه السلام إذا ذكر محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلياً وفاطمة والحسن (ع)
انكشف عنه همه وانجلى كربه , وإذا ذكر الحسين عليه السلام خنقته العبرة ووقعت عليه
البهرة – يعني الزفير – وتتابع النفس. فقال (ع) ذات يوم : إلهي ما بالي إذا ذكرت
أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي , وإذا ذكرت الحسين (ع) تدمع عيني وتثور زفرتي
, فأنبأه الله تعالى عن قصته فقال: ( كهيعص )
فالكاف اسم كربلاء والهاء هلاك العترة والياء يزيد وهو ظالم الحسين (ع) والعين عطشه
والصاد صبره. فلما سمع زكريا (ع) لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيهن الناس من
الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب. وكان يرثيه ويقول: إلهي أتفجع خير خلقك
بولده ؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ؟ إلهي أتلبس علياً وفاطمة ثياب هذه
المصيبة ؟ إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتها.
ثم كان يقول
: إلهي أرزقني ولداً تقر به عيني على الكبر , فإذا رزقتنيه فافتني بحبه , ثم افجعني
به , كما تفجع محمداً حبيبك بولده. فرزقه الله يحيى (ع) وفجعه به. وكان حمل يحيى
(ع) ستة اشهر , وحمل الحسين (ع) كذلك.
( علل الشرايع ) بالإسناد إلى وهب قال: انطلق إبليس
يستقري مجالس بني إسرائيل أجمع ويقول في مريم عليها السلام ويقذفها بزكريا حتى
إلتحم الشرع وشاعت الفاحشة على زكريا (ع). فلما رأى زكريا ذلك هرب , واتبعه سفهاؤهم
وشرارهم وسلك في واد , حتى إذا توسطه انفرج له جذع شجرة فدخل فيه وانطبقت عليه
الشجرة , وأقبل إبليس يطلبه معهم حتى انتهى إلى الشجرة التي دخل فيها زكريا (ع)
فقاس لهم إبليس الشجرة من أسفلها إلى أعلاها , حتى إذا وضع يده على موضع القلب من
زكريا عليه السلام فنشروا بمناشرهم وقطعوا الشجرة وقطعوه في وسطها , ثم تفرقوا عنه
وتركوه وغاب عنهم إبليس حتى فرغ مما أراد.
فكان آخر
العهد منهم به ولم يصب زكريا عليه السلام من ألم المنشار سيء. ثم بعث الله عز وجل
الملائكة فغسلوا زكريا وصلوا عليه ثلاثة أيام من قبل أن يدفن . وكذلك الأنبياء
عليهم السلام لا يتغيرون ولا يأكلهم التراب ويصلى عليهم ثلاثة أيام , ثم
يدفنون.
( قصص ) الراوندي عن الصادق (ع) قال: إ ن ملكاً كان على
عهد يحيى بن زكريا عليه السلام , لم يكفه ما كان عليه من الطروقة , حتى ينال امرأة
بغياً , فكانت تأتيه حتى اسنت , فلما اسنت هيأت ابنتها ثم قالت لها إني أريد أن آتي
بك الملك , فإذا واقعك فيسأل ما حاجتك فقولي حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريا. فلما
واقعها , سألها عن حاجتها فقالت قتل يحيى بن زكريا.
فبعث إلى
يحيى (ع) فجاءوا به , فدعا بطشت فذبحه فيها , وصبوه على الأرض , فيرتفع الدم ويعلو
, فاقبل الناس يطرحون عليه التراب , فيعلو عليه الدم حتى صار تلاً عظيماً , ومضى
ذلك القرن.
فلما كان من
أمر بخت نصر ما كان رأى ذلك فسأل عنه فلم يجد أحداً يعرفه حتى دل على شيخ كبير
فسأله فقال أخبرني أبي عن جدي أنه كان من قصة يحيى بن زكريا (ع) كذا وكذا , وقص
عليه القصة والدم دمه , فقال بخت نصر لا جرم لأقتلن عليه حتى يسكن , فقتل عليه
سبعين ألفاً. فلما وافى عليه سكن الدم.
( قصص الراوندي ) عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن عاقر
ناقة صالح كان أزرق بن بغي , وأن قاتل يحيى بن زكريا ابن بغي , وأن قاتل علي عليه
السلام ابن بغي.
وقال: في
قوله تعالى : (( لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ
سَمِيًّا )) قال يحيى بن زكريا (ع) لم يكن له سمياً قبله, والحسين بن علي لم
يكن له سمي قبله , وبكت السماء عليهما أربعين صباحاً , وكذلك بكت الشمس عليهما
وبكاؤها أن تطلع حمراء وتغيب.